الحكومة تواصل تمييزها السلبي ضدهم.. 2000 ريال إكرامية ذوي الاحتياجات الخاصة

تشق الجموع المحتشدة على شبابيك صندوق رعاية وتأهيل المعاقين عجوز سبعينية تسكن في منطقة بعيدة. هي معاقة وابنها معاق ايضاً. ترددت على هذا المكان أكثر من خمس مرات، وتصعد سلالم المبنى يومياً عشر مرات. تتعب كثيراً لتحصل وابنها على القليل-مبلغ (2000ريال) يعطى للمعاق- من المساعدات التي تصرف للمعاقين.
أحد القائمين على الصرف هناك شكك في صدقها، ورفض تسليمها المبلغ المسجل لإبنها المصاب بضمور شديد في الدماغ، بحجة عدم وجود وثائق تثبت بأنها أمه، رغم انها احضرت اخيراً عقد الزواج فرفضه وطلب احضار المعاق، وعندها أتت باكية الى مدير مكتب المدير التنفيذي، فوجه الموظف خلف الورقة بتسليمها مساعدة ابنها بناءً على العقد.
حتى امس والموظف لا يزال مصراً على إحضار المعاق، ما يعني أنه يتعمد إهانة وجرح كرامة هذه الشريحة، دون أن يأبه.
هناك الكثير من الحالات سجلوا أسماءهم لكنها لم تظهر في الكشوفات حتى يوم الاحد الفائت.. أم محمد ونواف يحيى الجبري (المتخلفين عقلياً ومصابين بالصرع)، تتابع الصندوق لإدراجهم في الكشوفات: «قد جيت ثلاث مرات» قالت بهدوء. وأضافت: ما بش ولا حاجة وابسر بنفسك .. والله مابه حاجة».
لتصل من بني حوات (بجوار المطار) الى مبنى «الصندوق في الستين ستحتاج الى مبلغ يومياً 200 (ريال)». «زوجي قدوه شيبه 70 عاماً»، ومريض عنده خرق.. مورم. وزادت «الجهال بيتعبوني وانا وحيدة ومريضة فيني السكر». تقول والدة المعاقين ال3.
عبدالوهاب صلاح الربع- ايضاً لم يدرج اسمه ضمن الكشوفات فأتى الى صنعاء قادماً من المحويت للمرة الثالثة خلال اسبوع: «دخلت من البلاد الساعة 8 صباحاً»، كسر رجله في حادث ولديه اطفال اكبرهم زكريا 12 عاماً، وشكا الخسارة التي لحقت به أثناء متابعة المساعدة «قد انا خاسر 4500 على شان مساعدة ب2000 ريال، الكرا من البلاد الى هنا ب600 ريال واتخيل ثلاثة أيام وأنا أجي من البلاد».
وأوضح قائلاً: «قدمنا الى الشؤون الاجتماعية قالوا يشتوا 20 الف.. حق ايش!! مانش داري».
أيمن وصابرين عبدالجليل الصبري، إعاقة الأول (5 سنوات)، التواء القدم الايمن، واخته (12 عاماً) ضعف سمع، والدتهما شرحت حالتهما الصعبة: «مستأجرين ب11 الف وزوجي عامل اذا حصل شغل يشتغل، ومعنا جهال». وتضيف مستنكرة سوء تعامل الموظفين: «عندما نراجع يقول الموظف للعسكري شلهم وارميهم الى خارج، ولنا نجي من 15 رمضان من شملان الى هنا» سجلت طفليها ولم يظهر سوى اسم واحد. وقالت «رحنا مؤسسة الصالح قالوا لنا ما فيش مساعدة اخرجو».
هدى البيضاني (10 سنوات)، شيماء الغزالي (15عاماً) مصابتان بـ«ضلع الورك الأيمن+ صرع)، وأوضحت شيماء: «هزر الدكتور رجلي هزر في المستشفى اثناء الولادة».اعاقتهن لم تقف حاجزاً بينهن وبين التعليم فالثانية تدرس في الصف الثامن والاخرى في الصف الرابع، ولكنهن يعاتبن الصندوق لعدم نزول اسمائهن في الكشوفات، وتقول شيماء «أنا لي من الأسبوع الأول وهم يقولوا اليوم غدوه».
عاصم صالح الحسني (6سنوات)، كان والده قد اتى من محافظة ريمة عزلة بني حسن، لاستلام العلاج المقرر لكن منذ اسبوع «وأنا انتظر للمساعدة لأنهم قالوا لي انهم سيقدموا لي قيمة الفواتير وجيت وانه كذب»، تحدث باستياء.
وأفادصالح الحسني والد المعاق أن طفله تعرض للإعاقة بسبب حمى شوكية، ليصاب بحالة صرع كانت تعاوده كل شهرين: «وبعدين اسعفته الى مستشفى الثورة بالحديدة واعطوه علاجات بحجة ان لديه تحسساً في الدم وتضاعفت عنده حالة الصرع والهلوسة بعد استخدام العلاجات»، قال مصدوماً بالكارثة. ويضيف: «واسعفته مرة ثالثة واحالوني الى صندوق الرعاية للعلاج ولم يعطوني راتب الى الآن». وزاد «انا غارق في الديون عليَّ الآن 300 الف ريال»، وتذكر قائلاً « ان ابني كان من المتضررين من كارثة الامطار التي هطلت العام الماضي ولمدة 7 أيام لم نر فيها الشمس»، واستنكر بشدة بشاعة امين الصندوق في بلاد الطعام «يقوم بخصم 1000 ريال او 500 ريال من أصحاب الحالات بالاتفاق مع المجلس المحلي».
واشار الى أن جمعية الاغاثة وزعت خياماً «وبيتي انشق وفيه اضرار جسيمة والآن اسكن في بدروم بدون تهوية لأن بيتي لم يعد صالحاً للسكن».
halajamrhMail

 
***
 
 

تذهب الأم بأطفالها الثلاثة للتمارين مرتين في الأسبوع وتشكو
 وهي تقطع بهم المسافات الطويلة: «أما أبوهم يهيم وبس!»..
 3 إخوة يتقاسمون شللاً في الدماغ

رشا، سيف، وعبدالكافي، جميعهم تعرضوا لنقص اكسجين ويعانون من الشلل الدماغي. كانت الولادة طبيعية، لكن والدتهم كانت تستخدم أدوية (منع الحمل).
كثيراً ما ترتبط مشاكل الشلل الدماغي بالأم، وظروف الولادة (سواء قبلها أو اثناءها أوبعدها). فقبل الولادة قد تستخدم ادوية خاطئة، أو لعدم توافق عامل الدم ما بين الزوجين، واثناءها نزيف عند الأم وكذا تعسرها ونقص الأكسجين.
نقص الاكسجين هو سبب إعاقة الأطفال الثلاثة، عندما التقيتهم في الاسبوع الفائت كانت (رشا) ترتجف كثيراً، لكنها أفضلهم حالاً، ولدت في 1996 وهي تعاني من شلل دماغي تشنجي ثنائي سفلي، ولديها صعوبة في المشي والوقوف.
أما سيف (7 سنوات) فأسوأ حالاً من أخته. يعاني من شلل دماغي تشنجي رباعي يصيب اطرافه الاربعة، إضافة الى صعوبة التحكم في الرأس، لذا فالمعالج يحاول المحافظة على الوضعيات الصحيحة للأعضاء لمنع ظهور التشوهات.
عبدالكافي (عامان ونصف) كأنه ينام بعمق لكنه كان مستيقظاً ولا يعي ما يدور حوله. هو اشدهم سوءاً، حيث يعاني من شلل دماغي ارتخائي (ارتخاء جميع اعضاء الجسم) ولديه صعوبة في التحكم بحركة الرأس ولا يستطيع التنفس بطريقة سليمة.
تشعر الأم بأنها ارتكبت خطيئة ضخمة عندما أنجبت اطفالها المعاقين، لكنها لم تكن على علم بما يخفيه لها القدر وراء جدرانه.
«أشتي أبصرهم وقدهم بخير.. يالله»، تمتمت الأم وهي تكاد تصرخ باكية.
انجبت ثلاثة معاقين وسبعة قبلهم ليصبح المعدل 10 اولاد لكن اكبرهم هو جميل (15عاماً) الذي يتكفل بإيجار ومصاريف المنزل. فمنذ كان صغيراً وهو يعمل مع الآخرين «كدّيناه وعادوه صغير»، اشارت الأم. وأضافت: «يشتغل مع الناس لأنه ما عاد الا هو لنا وإلا شا نموت جوع».
باشر جميل دوره الرجولي كأب أسرة حقيقي استطاع فرض نفسه على المجتمع، ببذل اقصى جهد لتوفير قوت 12 نسمة. فمرض والده وفقر أسرته هما من أرغماه على أن يلعب الدور البطولي، والذي يعجز عنه الكثير من الرجال: «عند زوجي حالة نفسية ما يقدر يشتغل، يجلس سكته لا يحاكي أحد ولا يسأل.. يهيم وبس»، وصفت حالة زوجها بأسى.
لم يكن لدى زوجة عبده سعيد من خيار آخر لكسب الرزق الحلال سوى أن تسرح طفلها الى العمل- ليكون المسئول الأول عن مصير الأسرة البائسة- كي يشتغل مع أحد التجار.
تحمل الأم اطفالها المعاقين يومي السبت والاثنين من كل اسبوع، ليتلقوا بعض التمارين والأدوية في (مؤسسة تنمية القدرات للشلل الدماغي) الكائنة في (حدة) فيما تسكن في منطقة (حزيز)، المسافة مضنية ومرهقة، لكن المؤسسة تخفف عنهم بعض المتاعب فهي تقدم لهم كافة الخدمات الطبية بلا مقابل، كما تقدم خدمة المواصلات لهم لشدة فقرهم.
تشير الأم الوصابية الأصل قائلة :«الصندوق حق المعاقين يصرف لكل واحد منهم الف». وتضيف بلهجة شاكية : «والله يا ابني لو نعتمد عليه ما يكفيهم حق حفاظات ولا صابون».
حالة الأطفال تتطلب مصاريف كثيرة أما مساعدة الصندوق - التي يسمونها بالمعاش- فضئيلة جداً ولا تستحق أن تسمى حتى بالمنظف.
 

***
 
 
دراجة تحمل منى منذ 12 عاماً
 
حتى السادسة من عمرها كانت منى علي حنظل تمارس حياتها بنشاط لا يضاهى، كأي طفل سليم يمتلك حظاً وافراً من الرعاية، لم يقف امامها أي نوع من الصعوبات أو المعضلات حتى ذلك الوقت.
عند حلول عامها السابع حلَّ معه شيء مخيف وسيء، هو ضمور في خلايا الدماغ، لتصبح أحد رعايا (إعاقة) بسطت نفوذها على جميع الاعضاء الحركية للطفلة.
حينما سمعت الأم بإعاقة طفلتها أصابها ذعر وخوف شديدان، .. شقيقتها، لم تكتف بدموع تذرفها فقط، بل قررت مشاركة (منى) بأغلى مالديها: ضحت بمستقبلها التعليمي والمعيشي، لتظل مع اختها المريضة حتى تشفى او تهلك دونها.
 والدها هو الآخر أصبح يعمل بطاقة أعلى من السابق لتوفير مبلغ من المال كي يذهب لعلاج ابنته في دولة خارجية وذلك حسب تقرير أعدته مجموعة أطباء في مستشفى الثورة عام 1991، عاد الرجل بطفلته كما هي دون تحسن، وظل مهموماً وخائفاً على حالتها فهي تزداد سوءاً أكثر فأكثر.
لم يهدأ له بالاً حتى سافر لعلاجها مرة أخرى لكن هذه المرة بمساعدة مالية من الدولة، غير أنه رجع خائباً ودون أن يحقق أمله.
دخلت البنت عامها العشرين لكن حالتها غير مستقرة، فهي تعاني من ألم شديد في الرأس وتسوء يوماً بعد آخر.
رأيتها تبكي بعينين مرهقتين.. أثارني بكاؤها المتقطع، فاقتربت منها لمعرفة السبب، كانت اختها تربت على رأسها لتبديد حزن شابة تحمل جسدها المعاق على دراجة منذ حوالى 12 عاماً، وتتناول الدواء من بداية المرض.
في كل ستة أشهر تقاد «منى» برفقة والدها وأختها لأخذ جرعة العلاج المقررة من المستشفى الجمهوري، لكنها سئمت هذا المكان، فهي لم تشعر بتحسن قط بقدر ما حالتها تزداد سوءاً، فأقسمت بالله أنها لن تطأ أرض ذلك المستشفى ثانية، فطلب والدها من صندوق الرعاية- المتكفل بالعلاج- تحويلهم الى دكتور متخصص يعمل لدى إحدى المستشفيات الخاصة.
صندوق الرعاية الاجتماعية يتعامل مع المرضى بأسلوب قاسٍ. «في كل زيارة اجلس أسير الى الصندوق خمسين مرة علشان يدو لي رسالة للمستشفى»، ظفر بها علي حنظل (والد منى) بعد ثلاثة أسابيع من مراجعة الصندوق.
«نعالجها الآن مش على شان تمشي ولكن من ألم شديد في الرأس»، وشكا من حالتهم المادية الصعبة وعدم مقدرتهم على معالجة منى في خارج البلد لأنهم من ذوي الدخل المحدود.
اصبحت منى تنفر من كونها تحمل إسماً ذا دلالات متفائلة. تقول : «ياريت وانت تكلم لنا الرئيس أو التجار يعالجونا ويجيبوا لنا غرفة لحالنا».
صندوق الرعاية يساعد منى ب3000 ريال لا غير في كل ثلاثة اشهر كمساعدة، أو ذكرى فصلية كما يسميه البعض.
الأسوأ هو أن جمعية التحدي اعتذرت عن قبول هذه الحالة، حيث بررت مديرة الجمعية جمالة البيضاني لأسرة منى قائلة: «إن الجمعية لا تستطيع قبول الحالة لأن حالتها سيئة جداً ولا نقبل مثل هذه الحالات».