حروب صغيرة في العاصمة

حروب صغيرة في العاصمة - سامي غالب

بعد أسبوع من إعلان الرئيس علي عبدالله صالح تعليق العمليات العسكرية في صعدة، بمناسبة العيد الوطني، يبدو المشهد السياسي أكثر قتامة.
لم يصمد الإعلان أكثر من ساعات سمحت للأطراف الأخرى المعنية بالتعبير عن مواقف تتراوح بين الترحيب بحذر، أو التشكيك في إمكانية حدوث تعليق العمليات فعلياً.
أكثر من ذلك، فإن حروباً داخلية أخرى نشبت الأسبوع الماضي، وهذه المرة في قلب العاصمة.
والتأويل المعمَّم لهذه «الحروب الذكية» في أوساط المعارضة أنها «التعويض العادل» عن الفشل في حسم الحرب ضد الحوثيين.
منتصف الأسبوع الماضي كانت وزارتا الاتصالات والإعلام تطوران حربهما ضد المواقع الإخبارية وخدمة الأخبار عبر شركات الهاتف التي تقدمها صحيفة «الناس» ومنظمة صحفيات بلا قيود.
ومنذ أسبوع يتلقى محمد الصبري، رئيس الهيئة التنفيذية للقاء المشترك، تهديداً تلو الآخر، من هاتف محمول معروف رقمه لدى الجهات الأمنية.
ويمكن مسايرة المعارضة في تأويلاتها، ذلك أن الموقف السياسي والعسكري للحكم في صعدة يزداد تعقيداً، وتتواتر أنباء من مناطق تفيد بشراسة القتال، وتمرس «الحوثيين» على وسائل وأساليب قتالية جديدة.
والمؤشر الأشد تكثيفاً للأوضاع في صعدة، هو ما تردد عن تدشين الحوثيين «إذاعة محلية» تبث موادها للمواطنين الكرام من النقعة.
السياسة هي فن الحكم ولئن ارتبطت السياسة بالقوة في عالم الواقع الاميركي، وقبله في المدرسة التجريبية الاميركية، فإن السياسة تصير فن استخدام القوة، وذلك ما تتقاصر الإرادة السياسية اليمنية عن بلوغه.
تخوض السلطة حرباً داخلية في زمن وبيئة مغايرين لحروب أخرى شهدتها اليمن في السابق. هذه حرب في زمن العولمة وفي بيئة اقليمية تشهد استقطابات مركبة، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالديني بالمذهبي. وقد وجد صناع القرار في اليمن أنفسهم مشدودين إلى لعبة استقطابات خطرة. وتضاعفت «غلة الخطر» بفعل سياسات المضاربة بين الفاعلين في الاقليم، التي بدا وكأن أطرافاً في الحكم مأخوذون بها. كانت المضاربات بمثابة دعوة ضيافةصريحة لفاعلين خارجيين ذوي هيئات متنوعة: دول ومنظمات وجمعيات دينية ومذهبية.
كذلك تسير الأمور في عالم الحرب على الإرهاب، وفي منطقة تفجر الولاءات الطائفية والمذهبية والعشائرية، وفي بلد أدمن سياسيوه سياسة المضاربات من كل صنف، في إدارة شؤونهم الداخلية و«حروبهم الصغيرة».
والحال أن الحيز السياسي والإعلامي يضيق لصالح الحيز الأمني والعسكري.
وتلوح السياسة خرساء، والساسة عديمي حيلة إزاء أوضاع ضاجة بالقذائف النارية والصوتية.
في هذا الصيف الحارق لا يكاد أحد يصدق بأن اليمن شهدت انتخابات رئاسية تنافسية في الخريف الماضي، ولا يبدو أحد مكترثاً لتقارير منظمات ومعاهد دولية تجهد، عبثاً، في لفت انتباه اليمنيين إلى مكاسب ما تحققت من انتخابات لا يظهر طرفاها في سلوكهما أنهما مسلِّمان بها، الحكم مثلما المعارضة.
حروب في الأطراف المشدودة باستقطابات مذهبية وإقليمية، وفي القلب المشلول سياسياً. وبدلاً من «إعادة صعدة إلى السياسة»، كما أملت «النداء» في افتتاحيتها في العدد (91) 21 فبراير الماضي، ذهبت السياسة إلى صعدة، إلى الحرب والإقصاء والوعيد والحجب والحظر.
وعوض تعليق العمليات العسكرية، سارعت جهات رسمية، وفي الظل، إلى إشعال حرائق في العاصمة.
كذلك تفعل الحرب في صعدة. وكذلك هو المشهد الوطني: منكشف على الخارج، بفعل الصدوع الداخلية، والمضاربات الخطرة، و«الحروب الغبية» التي تشنها أجهزة ووزارات ضد المجتمعين السياسي والمدني.
Hide Mail