بوستر.. نهاية المشوار - محمد سلطان

بوستر.. نهاية المشوار - محمد سلطان

بعد مُضي سبعة أعوام لاحقة ستكون لجنة خاصة جديدة قد ابتكرت نسخة مطورة لبوستر المشوار المقدس. وسيتزامن الإصدار الجديد مع انتهاء فترة الصلاحية الافتراضية لنسخته الأصلية والتي حملت شعار «أكمل المشوار».
حينها سنشاهد سيارات بمكبرات الصوت تجوب الشوارع لمناشدة الناس الخروج والإعتصام.. واجتماعاً استثنائياً للحزب الحاكم سينعقد لإثناء قائد المسيرة عن قرار اختتام مشواره السياسي، فيما أفواج من البشر تتوافد من مختلف المحافظات تجتاز مداخل العاصمة السياسية، للاعتصام في ميدان السبعين، بينما وسائل أكثر تطوراً سوف تتصدر فقرات الزفة... كل ذلك لتجسيد وتأمين مستقبل اليمن وحماية شعبه من الإنقراض. وإن كانت الزفة الجديدة بحاجة إلى اجراءات تشريعية، وقد يتخذ الرد الشخصي الموافق شكلاً مغايراً لذات الشخصية وتجاوزها إلى وريث شرعي مرشح للحكم.
ما حدث خلال الأيام الماضية تداعيات غير منطقية، فلم يكن في الساحة ما يستدعي المناورة. ولم يلمع في الأفق ما يؤكد على انهيار وشيك لنظام لا يعتمد بتاتاً على شبكة تنموية نهضوية للبقاء والاستمرار.
رغم ذلك تداعت تركيبة النظام غير المتجانسة إلى ما يشبه المهرجان الاستعراضي الذي يتعدى التهريج المفتعل إلى تدشين الحملة الانتخابية المبكرة بطريقة مستحدثة تفوق فاعليتها نتائج المهرجانات الانتخابية المنظمة وتؤثر على نفسية المواطن بشكل عاطفي مثير للشفقة.
إذاً الزفة لم تكن مجرد مسرحية سياسية فحسب، وليست استعراضاً للشعبية الجماهيرية، بقدر ما هي استثارة للعاطفة بدلالات غاية في الوضوح.
لم يقدم الرئيس شروطاً معينة للتراجع عن قراره. واقتصر الأمر حسب ما صرح به الرئيس شخصياً تفاعلاً مع الجمهور وليس اتفاقاً مع كوادر حزبه وأركان نظامه الذين تبرعوا بمبادرات شخصية باستعدادهم لعقد مثل هذا الاتفاق.
كشفت الضجة المفتعلة عن اختلالات كثيرة في صفوف الحكم والمعارضة بنفس التزامن وبمقدار الاستفحال، حيث بدت احزاب المعارضة بهشاشة اكثر وبانسجام وفاعلية أقل، شخصيات رئيسة تصدرت زفة الحاكم... النظام عاجز عن الاستثارة التلقائية للمواطنين فلجأ إلى المناشدة والتفويج المنظم، وتهديد الموظفين وإرغامهم على الخروج القسري.
أحزاب المشترك والحزب الحاكم، الجميع يفشل في الاستمرار في حوار ناضج، ما جعل المشترك يهمش النظام السياسي الحزبي ويستعين بالثقل الشخصي وهو ما تجسد في اتفاق المعارضة مع الرئيس، المتمثل باتفاقها الأخير الذي كان بمثابة رسالة المشترك الاولى، بتمسكها بترشيح الرئيس فالطرف الآخر في الاتفاق الموقع لا بد له أن يستمر في السلطة لضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
تحدث الرئيس عن أخطاء تستوجب المسامحة من قبل الشعب بينما القاموس السياسي يستبدل لفظ المحاكمة بالمسامحة حال وجود الاخطاء أياً كانت الأحكام الصادرة، فالقادة والسياسيون الذين يقترفون الاخطاء يجدون انفسهم وجهاً لوجه أمام محاكمة -دستورياً- تكشف جناياتهم السياسية ضد شعوبهم.
ربما أن نهج الرئيس المتسامح مع اصحاب الاخطاء والمفسدين في هذا الوطن جعله يستجدي المسامحة او على الأصح العطف وذلك يؤكد عدم رغبة نظامه السياسي في تجاوز العرف القبلي الى القانون الذي يعيش مرحلة ما قبل الدولة، ولعل دماء الأبقار والابل المسفوحة على عتبة دار الرئاسة دلالة مؤكدة على استمرار نظام العرف القبلي على حساب الاحتكام للممارسات القانونية.
احزاب المعارضة عجزت عن صياغة برامج للشارع الذي راهنت على تحريكه اكثر من مرة ولم تقدم مشاريع تترجم هذا التوجه أو تتخذ اجراءات كسب الثقة من المواطن البسيط الذي يسمع عن تكتل حزبي معارض لا يجد أثره في تفاصيل حياته اليومية.
تتذرع الاحزاب بتكاليف هذه المشاريع. والأمر في حقيقته لا يحتاج لأكثر من عقول متفتحة وتخطيط دقيق.
الشارع بحاجة إلى إعادة تشكيل وعي لتطوير الأداء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمواطن البسيط عبر منتديات وجمعيات ودورات تدريبية وتأهيلية وتزويد الشباب بالخطط والمشاريع التي تلامس حاجاتهم وتحسن وضعهم المعيشي وتحافظ على طموحهم المستقبلي.
عودة إلى منطق المال الذي فرض نفسه بشكل إستفزازي فظ... فمليار التجار الذي صرف لحالة انسانية كمساعدة رمزية لهذا الرجل المسكين الذي لا يجد ما يعول به اسرته ويسد به رمقهم، كان المليار كفيلاً بإشباع رغبات آلاف المحرومين بشكل دائم عن طريق مشروع استثماري خيري أو تنموي بمردودات واسعة. فضلاً عن كون المبلغ سيتم تعويضه لاحقاً من قوت البسطاء الذين بالكاد يستطيعون الحصول على ما يسكت جوعهم المزمن.
فالرئيس لا يحتاج لهذه اللفتة الكريمة طالما ان الميزانية المرصودة لتغطية حملة الحزب الحاكم الانتخابية جاهزة ومفتوحة على ميزانية الدولة بكل هيئاتها ودوائرها المالية.
اصطناع اصوات لبعض المواطنين عبر التلفزيون وهي تناشد الرئيس واصفةً الحياة بدونه اشبه بالمستحيل، مثله مثل الماء والاكسجين، له دلالات طرة لا تبدأ بانعدام الوعي ولا تنتهي بكونها ادوات تزوير انتخابي معبأ سلفاً، و«بروفة» تزوير مبكرة.
التلفزيون ووسائل الإعلام الرسمية بدت وكأنها حق حصري لزعيم المسيرة، ما يجعلنا نجزم باستحالة حيادية الإعلام الرسمي الذي غاب عنه الوطن والشعب والدولة وحضر الرئيس.
فضائية الصالح صادرت كل المساحات البرامجية لحساب فخامته، ربما لايصال رسالة إعلامية فحواها: أحلامكم بالتغيير محض أوهام؛ وهذا منطق كل وسائل الاعلام الرسمية التي اصبحت منابر للحاكم يستحيل منافسته في أدنى مساحاتها الظرفية.