نادر فرجاني لـ«النداء»: مؤسسة النقد ضعيفة في البلدان العربية وتقبُّله أصعب على أنظمة الحكم

نادر فرجاني لـ«النداء»: مؤسسة النقد ضعيفة في البلدان العربية وتقبُّله أصعب على أنظمة الحكم

- حاوره: عبدالكريم سلام
ارتبط اسم الدكتور نادر فرجاني بسلسلة تقارير التنمية البشرية العربية منذ صدور أول تقرير عام 2002 م فهو المشرف الرئيسي على إعداد التقارير وتحريرها. التزم بمقتضيات البحث العلمي و بصرامة المنهج العلمي الذي درَّسه لتلامذته في جامعة القاهرة، جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، الجامعة الأمريكية في القاهرة، المعهد العربي للدراسات والبحوث الإحصائية بغداد، المعهد العربي للتخطيط - الكويت، كلية سانت أنتوني أكسفورد ولذلك عندما تعالت الأصوات المطالبة بتليين لغة التقرير وتصويب علميتها ظل وفيا لمقتضيات البحث العلمي، رافضا لمتطلبات السياسة فنال احترام الجميع باحترامه للبحث العلمي الرصين و فضح أولئك الذين يريدون مساومة البحث العلمي ومقايضته بشكل أضاف لكشف المسكوت عنه في واقعنا العربي  ممانعة السياسي ورفضه أن يلامس ذاته على حقيقتها وهو يستجلي زيف انتصاراته الوهمية وغايته في نهاية المطاف، كما يقول، خلق حوار وسجال حول قضايا التنمية الإنسانية. 
* ذُكر أن التقرير الرابع للتنمية الإنسانية العربي  سيكون آخر التقارير، لماذا؟
- لا. هو أخر تقرير في مجموعة أولى من التقارير:التقرير الأول للتنمية الإنسانية العربية ظهر في سنة 2002 وقتها تعرف على ماسماه النواقص الثلاثة التي تعيق التنمية الإنسانية في الوطن العربي، وهي نواقص الحرية والمعرفة وتمكين النساء فأصدرنا ثلاثة تقارير تعرض كل واحد منها لهذه النواقص فكان تقرير 2003 عن المعرفة وتقرير 2004 عن الحرية وهذا والتقرير الحالي عن تمكين النساء ومن ثم اكتملت هذه الحلقة التي انطلقت من تصور معين وعالجته بقدر من العمق. إنما هذا لا يعني انه قد لاتكون هناك تقارير أخرى في نفس السلسلة بمواضيع أخرى. والسيدة مديرة المكتب العربي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يبدو أن في خطتها أن تستمر في إصدار هذه التقارير، لكن ليس هناك أخبار محددة في هذا الشأن حتى الآن.
* هناك من ذهب إلى القول أن ثمة أسبابا تمويلية وسياسية  تحول دون صدور مثل هذه التقارير التي لم ترق لبعض البلدان العربية علاوة على وضع عراقيل تجاه الباحثين المكلفين بدراسة مواضيع التقارير؟
- الموقف بالضبط أن هذه حلقة اكتملت وهناك رغبة في الاستمرار بإصدار تقارير التنمية الإنسانية العربية لكن بعد فترة تأمل واتفاق على الخط الذي تأخذه التقارير التالية ولا توجد عوائق مانعة بشكل مطلق ولكن هناك حاجة لإمعان النظر في التجربة والنظر فيما يمكن التقدم إليه من موضوعات في التقارير التالية.
* لماذا اختيرت صنعاء بالضبط لحفل إعلان إصدار التقرير؟
- عايز الحق، والا ابن عمه.
* الحق.
- الحق أنه كان من المقرر أن يشهر هذا التقرير في بيروت إلا أن الأحداث تطورت في بيروت ولم يكن ممكنا أن يشهر هذا التقرير في بيروت وتم الاتفاق على صنعاء وقد كانت إحدى العواصم المقترحة لإشهار التقرير منذ البداية.
* هذه المرة لم تكن هناك ضجة كبيرة، لكن ربما كان هناك حرص شديد من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن لا يكون محتوى التقرير مجددا  لضجة أخرى على غرار ما حصل  للتقرير قبل الأخير.
- طبعا التقرير الذي اثار الضجة التي أدت إلى محاولة تدخل بعض الدول  لإيقاف صدوره كان التقرير المتعلق بالحرية والحكم الصالح وكان على  درجة كبيرة من الحساسية سواء بالنسبة لأنظمة الحكم العربية او بالنسبة لبعض القوى الخارجية التي كانت تعتبر أن موقف التقرير بشأن مسألة التحرر الوطني خطير، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل فيما يتعلق باحتلال العراق وفلسطين.
* انتم تقومون بعمل بحثي بطرق علمية وبالتالي يفترض أن تتجاوب الحكومات معكم، كيف تقيمون هذا التجاوب؟
- التجاوب مختلف من بلد إلى أخر من حيث القاعدة أتصور انه يصعب على أنظمة الحكم في جميع البلدان العربية أن تتجاوب مع مثل هذا التقرير تجاوبا مطلقا لأنه تقرير نقدي في الأساس  ومؤسسة النقد ضعيفة في البلدان العربية وتقبُّل النقد أصعب على أنظمة الحكم،  ولكن من حيث الموقف المعلن كانت هناك أنظمه حكم عربية تبنت التقرير كدليل إرشادي لطرق الإصلاح فيها ولكن بعضها اتخذت موقفا عنيفا وصل إلى حد منع مناقشة التقرير في احد البلدان العربية.
* على ضوء التقرير الحالي بشأن تمكين المرأة كيف تستشرفون آفاق حظوظ المرأة في المشاركة السياسية وفي التنمية البشرية بشكل عام؟
- الموقف في التقرير يبرز أن هناك بعض الإنجازات تحققت لصالح نهوض المرأة في الوطن العربي ولكن هذه الإنجازات مازالت غير مكتملة، وبالتأكيد لا ترقى لطموح تصورنا عن نهوض المرأة الذي يقضي بتمام التمتع بجميع الحقوق الإنسانية على قدم المساواة مع الرجال. ومن ثم فإن هناك انجازات يجب الاعتراف بها من ناحية ولكنها انجازات منقوصة ومازالت هناك تحديات قائمة وجسيمة وهي بحاجة إلى عمل ضخم من اجل النهوض بدور النساء من ناحية أخرى، ولذلك الرؤية الإستراتيجية التي انتهى إليها التقرير تطالب بحركة نضالية من أجل التوصل إلى الغرض الطموح لنهوض المرأة في الوطن العربي وإلى مجموعة من الإصلاحات المجتمعية واسعة النطاق في مجالات متعددة تؤدي غايتها إلى نجاح النهوض بالمرأة.
* أبرز التقرير أن ثمة حركة مناصرة لحقوق المرأة لكن بالمقابل هناك تأثير للضغوط الخارجية الغربية مما يضعف فاعلية هذه الحركة، ألا يعني ذلك أننا إزاء وضع إشكالي في المنطقة العربية؟
- نعم إنه وضع إشكالي وهو معالج في التقرير كقضية إشكالية بمعنى انه بالرغم من أن هناك حركة نضالية تحررية من أجل مناصرة المرأة في البلدان العربية منذ أمد طويل تحت الاحتلال الأجنبي في البلدان العربية إلا أن المطالبة من قبل قوة خارجية لا تتمتع بمصداقية داخل البلدان العربية وفي مبادرات للإصلاح في بعض البلدان العربية أدى إلى نوع من التحفظ على المطالبة بتمكين النساء ومناصرة تحرر المرأة من قبل بعض الفئات المجتمعية وهو تحفظ قد يكون مبررا في ضوء الأغراض غير النبيلة أحيانا التي تقف وراء مبادرات الإصلاح القادمة من الخارج لكن، وكما يشير التقرير بوضوح، لابد من إتمام العمل على تحرير المرأة العربية باعتباره جزءاً أساسياً من مشروع متكامل للنهضة الإنسانية في الوطن العربي يقتضي، بالإضافة إلى نهوض المرأة، إقامة مجتمع المعرفة والتحول نحو مجتمعات الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية.
* كيف تقيمون الآثار التي أنتجتها مثل هذه التقارير على مستوى البحث أو على صعيد اتخاذ صنع القرار؟
- مازال الوقت مبكرا لأن هناك عملية للتقييم وإمعان النظر في الخبرة السابقة. واعتقد أن الأمر لا يسمح في الوقت الحالي الحديث عن اتجاهات مستقبلية بعد انتهاء عملية التقييم وهنا لابد من البدء بالتوضيح أن هدف التقرير في النهاية هو الاستثارة الفكرية لبدء حوار جاد حول قضايا التنمية من منظور التنمية الإنسانية في البلدان العربية وفي هذا النطاق نجح التقرير نجاحاً كبيراً لأنه بعد نشر كل تقرير تبرز موجة ضخمة من ردود الفعل بعضها مرحب، وبعضها ناقد والنقد مطلوب لأنه يثري كما يثري الاتفاق من هذا المنظور فالتقرير قد نجح في إثارة حوار حيوي حول قضايا التنمية الإنسانية وهذا احد الأهداف الرئيسية للتقرير، أما من ناحية التطبيق الفعلي اعتقد انه رهن بالتفاعل بين قوى الإصلاح في الوطن العربي وأنظمة الحكم القائمة ومجمل التركيبة الاجتماعية الموجودة في البلدان العربية وهذا أمر سنراه فيما بعد إنما من حيث الاستثارة الفكرية وهي الهدف الرئيسي للتقرير، فأعتقد أن هذا حدث ويعتبر نجاحا جيدا للتقرير.