الكذب والتصوير يعطلان استجواب القمش.. كتلة الحصان تقصم ظهر الحصانة البرلمانية

الكذب والتصوير يعطلان استجواب القمش.. كتلة الحصان تقصم ظهر الحصانة البرلمانية

حظي نواب  الشعب، الأثنين الماضي، بمرأى غالب القمش رئيس جهاز الأمن الساسي، لكن آذانهم لم تلتقط نغمة صوته، إذ تكفل رشاد العليمي وزير الداخلية بتقديم الرواية الأمنية لواقعة احتجاز النائب المستقل أحمد سيف حاشد لعدة ساعات في مقر الجهاز العتيد.
في 24 رمضان1427 ه الموافق 16/10/2006 شارك حاشد في فعالية تضامنية مع الناشط الحقوقي علي الديلمي الذي كان يومها  محتجزاً في مقر الأمن السياسي. وبسبب قيامه بالتقاط صور للمعتصمين أمام المقر، فقد ابتدره أفراد الأمن بالتعنيف، واقتادوه إلى الداخل غير مكترثين لإيضاحاته بأنه نائب يتمتع بحصانة برلمانية، إذ أن القاعدة في محيط الأمن السياسي أن التصوير حالة تلبس تتعالى على الحصانات الدستورية.
لكن وزير الداخلية تلا على النواب رواية مغايرة، فحاشد الذي شارك في مسيرة غير مرخصة وقام بتصوير مبنى الجهاز وأفراد الحراسة، لم يُحتجز كما يزعم، وعومل بكل احترام وتقدير، وأنه -أحمد حاشد- طلب من أفراد الحراسة إيصاله بأحد المسؤولين في الجهاز، وقد رافق أحد هؤلاء إلى غرفة الحرس لأجل ذلك. وأضاف العليمي أن ضابط الحراسة حاول التواصل عبر الهاتف مع أي من قيادات الجهاز، لكنه لم يتمكن من ذلك نظراً لأن الوقت كان قد تجاوز الثالثة عصراً. موضحاً بأن الضابط أبلغ النائب بأن في وسعه التواصل مع قيادة الجهاز في وقت آخر. وقد غادر حاشد مبنى الجهاز دون أن يتعرض لأي مساس بكرامته، خلص العليمي.
فرغ الوزير من تلاوة الرواية، فيما القمش صامت في كرسيه. وطلب رئيس الجلسة يحيى الراعي من زميله حاشد الرد.
«اقسم بالله العظيم وبشرفي أن كلام الوزير كذب» استهل النائب رده. وقبل أن يشرع في مرافعته، هاجت القاعة، المكتظة بأعضاء الحزب الحاكم، احتجاجاً على مفردة «الكذب»؛ وسارع رئيس الجلسة إلى رفعها لمدة 10 دقائق، والسماح للوزير ورئيس الجهاز بمغادرة قاعة المجلس.
عاد النواب إلى القاعة لاستئناف البند المعروض للنقاش، أي انتهاك حصانة نائب؛ لكن رئيس الجلسة كان قد قرر ترحيل الموضوع إلى اليوم التالي.
في اليوم التالي (أمس) كان الموضوع المثار قد أفسح مكانه لمواضيع أخرى، ولم يسمح للنائب، وهو بالمناسبة عضو لجنة الحقوق والحريات في المجلس النيابي، باستخدام حقه في الرد على ما وصفها بالرواية الكاذبة. غادر حاشد القاعة محتجاً، ولحق به زميله عيدروس النقيب رئيس كتلة الحزب الاشتراكي، فيما انشغل الآخرون بالمواضيع الجديدة -القديمة.
لم يكن الحال قبل يومين كذلك. في جلسة السبت كان الغضب يغمر ردهات المجلس ، جراء عدم مثول غالب القمش أمام المجلس الذي طلب ذلك في  جلسة الأربعاء الماضي. القمش أرسل مذكرة إلى المجلس توضح بأنه منشغل في الوقت الراهن، وأن الأمن منظومة متكاملة، وهو مجرد عضو في اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها وزير الداخلية، داعياً المجلس إلى مخاطبة الوزير.
اعتبر النواب رسالة القمش تهويناً من مكانة السلطة التشريعية، وبناءً  على مقترح النائب المستقل صخر الوجيه، الذي لقي تزكية من سلطان البركاني رئيس كتلة المؤتمر، قرر النواب تعليق أعمال البرلمان إلى حين حضور القمش.
ما الذي طرأ بعد يومين فقط؟ وكيف ذوت تلك الغضبة المضرية؟
«يوجد في المجلس من يريد تمييع القضية تجنباً لإحراج الأجهزة الأمنية، التي تنتهك الدستور»، قال لـ«النداء» عيدروس النقيب رئيس كتلة الاشتراكي. وزاد: «زلة لسان حاشد (يقصد لفظة «الكذب») هي ما كان ينتظره بعض النواب والوزير  ورئيس الجهاز للهروب من القاعة وتفادي اسئلة المجلس».
أما النائب علي عشال (إصلاح) فقد عزا حدة زميله إلى الصدمة التي أصابته من هول قلب الحقائق  وكلام الوزير المناقض للحقيقة. وهو أضاف: «لم يكن حاشد موفقاً في استهلال رده، وقد وقعت قضيته العادلة في يد محام غير متمرس»، يقصد المجلس.
بالنسبة لعشال فإن قرار «الراعي» رفع جلسة استجواب القمش يوم الأثنين، يخالف اللائحة، وجاء بقصد «تضييع القضية».
الأرجح أن القضية ضاعت فعلاً، إذ أن المجلس غرق في جدول أعمال متضخم، تراكمت بنوده منذ أكثر من عام.
أحمد سيف حاشد قال لـ«النداء» إن أغلبية أعضاء المجلس «انتصروا للجلاد ومخالبهم على الضحية»، ولفت إلى أن القضايا المهمة المعروضة على المجلس «تبدأ ساخنة ثم لا تلبث أن تتحول إلى لا شيء»، وتابع: «توقعت ما حصل، لأنه ليس أمراً جديداً على البرلمان».
من الشرفة المخصصة للصحفيين كان ما جرى متوقعاً فعلاً، إذ أن اعضاء من كتلة المؤتمر بددوا جلستهم بالاحتجاج لقيام الزميل الذي غضبوا لأجله قبل 48 ساعة، بالتقاط صور للقاعة، إحداها على ما يبدو سجلت احتشاد مجموعة من النواب حول الوزير الذي جاء في الأساس للمساءلة.
كان بعضهم يحمل أوراقاً للمراجعة، على حد تعبير أحد النواب المعارضين.
انصب  غضب نواب المؤتمر هذه المرة على زميلهم، معتبرين قيامه بالتصوير مخالفة للائحة. لاحقاً وحينما كان الهرج لا يزال سيد البرلمان، استغرب سلطان العتواني رئيس كتلة التنظيم الوحدوي الناصري حرص القاعة الشديد على منع التصوير، فيما آخرون يدخلون القاعة بأسلحتهم.
على ما يبدو فإن كاميرا التصوير لا تستثير قيادات المؤسسة الأمنية فقط، وإنما أيضاً أعضاء في مجلس النواب، ولعلَّ ذلك ما مكَّن الوزير ومرؤسه -رئيس جهاز الأمن السياسي- من الإفلات من المساءلة على واقعة انتهاك معلنة لحصانة أحد ممثلي الشعب.