لمحاكمة صدَّاماتنا!

لمحاكمة صدَّاماتنا! - منصور هائل

ينطوي كاتب هذه السطور على الكثير من صدام حسين، وعلى نحو لا تخطئه العين، ويستوجب محاكمته والاقتصاص منه اسوة بالدكتاتور المذكور، وعلى قدر ما اقترف، بقطع النظر عن الظروف والملابسات والصدف والاقدار التي لم تشأ تمكينه من اختطاف حكم اليمن وهو بمعزل عن اي قدر من الحكمة والتحكم بمصائر عبادها من غير رحمة، ونهب ثرواتها بمنأى عن أي سقف يحد من حرية الإهدار والتبذير و«التوريث».
وعلى سبيل المثال فإن من يقترف هذه الكتابة يستحق المحاكمة لمجرد أنه انخطف للكتابة عن «السيد الرئيس» واستثارة ما صدر بحق صدام من حكم بالاعدام شنقاً، وكان اشبه بفراشة ملتاعة للاشتهار بانتحار في ذروة اللهب المثير.
ذلك لأن شغف الكتابة عن «السيد الرئيس» يستبطن ثقافة استبدادية تشربت وشربت هذا الكاتب- هو حضرتنا بالمناسبة- ومضغته كقطعة فلين جرداء من أي رنين، وحالت دون ان يتجرأ على كتابة حزنه وأساه وانسجامه تجاه وضع زميل سجين.
المحنة أن هذا الكاتب كان هدفاً سهلاً لابتلاع الهيجان الخارج من فوهة فضائية «الجزيرة» وشقيقاتها المتحدرات من سلالة اصوات العرب، والهادر الملعلع (أحمد سعيد).
أما المحنة الأكبر فقد تمثلت بانشغالنا مع زملاء (التكايا) ومصائد السياسة في تحليل وتفسير وتعليل الحكم الصادر بحق الدكتاتور صدام حسين.. ومن يحاكم من؟ وهل هي لعبة انتخابية امريكية ام فقاعة تستهدف تصريف احتقانات الشارع العربي، وصرف الانظار عن اوطان تجذر فيها الخراب؟!
ولم نسأل انفسنا عن: كم (صدام) فينا؟ وكم هي الصدَّامات -بتشديد الدال- الجديرة بالمحاكمة؟
ولم يسأل من يكتب هذا السطور الاسير لجمهورية الخوف في بلاده وفي غيرها من بلاد العرب، نفسه: لماذا لم يكتب عن الاسباب ميشيل كيلو السجين في دمشق من غير ذنب او جريمة سوى أنه كان من اصحاب الرأي ودعاة التغيير (من الداخل) والمطالبين بدولة لجميع مواطنيها.. دولة القانون، والحق والمواطنة المتساوية؟
ولم نسأل انفسنا عن مبعث انشغالنا بصدام وهو في القصر، وصدام وهو في القفص، وصدام وهو في القبو «الحفرة»، وصدام وهو على مشارف القبر، وصدام ما بعد القبر.
ولماذا نتمحور حول «الزعيم» ونتمركز ونتركز ونتقطر لحساب إقصاء الانسان فينا، وتغييب ثقافة حقوق الانسان وتمثلها على النحو الذي يفتح فضاءات الوعي لالتقاط أنات وعذابات هذا الانسان المقموع والمهمش في الأرصفة، الانسان بما هو طفل، وامرأة، وضالة إقصاء وإلغاء لـ«السيد الرئيس» أكان في قصره أو في قفص الاتهام أو برسم الاعدام؟
mansoorhaelMail