سعيد ثابت سعيد في قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات الرئاسية في اليمن

سعيد ثابت سعيد في قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات الرئاسية في اليمن

* إعادة الاعتبار للهيئة الناخبة وتراجع دور القبيلة والمؤسسة العسكرية في تثبيت نظام الحكم
* لا تغيير في الوجوه وأسئلة عن جدية تغيير السياسات في الولاية الرئاسية الجديدة
 
انقشع غبار المعركة الانتخابية الرئاسية في اليمن عن تتويج الرئيس علي عبد الله صالح رئيسا لولاية رئاسية جديدة تستمر سبع سنوات أخرى، وهي نتيجة متوقعة من أنصار الرئيس صالح ومنافسيه أيضا، فالقوى السياسية التي خاضت الانتخابات (اللقاء المشترك) كانت تعلم مسبقا بالنتيجة، لكنها تحفظت على نسبة الفوز المعلنة، وأدركت أن خوض أي انتخابات رئاسية ناجحة في المرات القادمة يتطلب إجراء جملة إصلاحات جوهرية في العملية الانتخابية برمتها، وما يتعلق بها من ظروف سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.
وبرغم معرفة أحزاب اللقاء المشترك، ومرشحهم المهندس فيصل بن شملان، بالنتيجة المسبقة للانتخابات، إلا أنهم خاضوها بغية تحقيق قدر من التوازن مع الحزب الحاكم، وإثبات تواجدهم في الشارع اليمني والبناء على تلك النتيجة من أجل الانتخابات البرلمانية القادمة، التي يحتاج فيها الناخب أن يشعر بوجود تلك القوى الحزبية وقدرتها على المنافسة.
 

كان أهم أهداف أحزاب اللقاء المشترك من وراء اتخاذهم قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بحسب قياداتهم، العمل من أجل استنهاض قدرات ومشاعر جماهيرهم وأنصارهم وإحساسهم بالمسئولية، ومحاولة توفير شروط الحد الأدنى من الحرية والنزاهة لهذه الانتخابات لكي تغدو الأداة المأمونة بين اليمنيين للتغيير.
ومع انتهاء العملية الانتخابية، يهمنا أن نكف عن تدبيج مقالات المدح أو القدح، أو إقامة المآتم أو الأفراح، ونتجه بعقول مفتوحة ورؤية نقدية متبصرة تعتمد الموضوعية والواقعية نحو المستقبل، ونقرأ الانتخابات الرئاسية بمنظور استراتيجي، يتجاوز اللحظة والراهن.
في هذه المقالة التحليلية سنركز على مرشح الحزب الحاكم، مؤجلين الحديث عن مرشح المعارضة إلى مقالة أخرى، وسنقسمها إلى شعبتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالانتخابات كعملية متكاملة، وما أسفرت عنه من قيم وثقافة سياسية جديدة ستتعزز في الوعي الجماعي الشعبي على المدى المتوسط والبعيد على حد سواء، وما ستحدثه من آثار تراكمية تتعلق بالموقف من رئاسة الدولة وما يرتبط بها من إصلاحات في مؤسساتها، وموقع ودور الهيئة الناخبة من عملية تلك الإصلاحات. والثانية تتناول قراءة رقمية مقارنة في النتائج وعما اذا كان ثمة مهزوم في هذه الانتخابات.
< فعلى صعيد الشعبة الأولى، أدرك المواطن اليمني لأول مرة أن كرسي الرئاسة لم يعد حكرا على فئة اجتماعية معينة، أو جهة حزبية، أو منطقة جغرافية، أو مؤسسة عسكرية، وأن القصر الرئاسي ساحة مفتوحة لكل من يمنحه أغلبية الناخبين أصواتهم وثقتهم، وبالتالي فإن شرعية أي حاكم لا يستمدها بعد هذه الانتخابات من مراكز القوى، أو حتى أعضاء حزبه، وإنما المشروعية أضحت بيد الجماهير الناخبة، ومن ثم فإن من فاز بثقة ناخبيه يجدر به أن يراعي عند تربعه كرسي الرئاسة مصالح تلك الأصوات التي منحته إياها، كما أنه من سيكون أكثر حرصا على مراعاة الرأي العام، مهما شاب العملية الانتخابية من اختلالات، فإن الحاكم أدرك يقينا أنه كلما كان منسجما مع تطلعات الناخبين، ووفيا بوعوده معهم، وملتزما ببرنامجه، فإن كلفة الفوز ستكون أقل بكثير مما لو أنه لم يلتزم بوعوده، ولجأ إلى عمليات التزوير، أو شراء الذمم، أو اغتصاب إرادة الناخبين، وما تتركه تلك العملية من خسارات جمة، وانقسامات ضارة على مستقبل أدائه السياسي.
< ولأول مرة ينزل مرشحو الرئاسة إلى الجماهير الناخبة، يتوددون لها بمنحهم أصواتها، ويبسطون أكف الدعوات والوعود المدغدغة لمشاعرها، لإقناعها بجدارتهم في إدارة الدولة، وهي ثقافة جديدة اكتسبتها الجماهير الناخبة، كما أنها ستكون تقليدا جديدا تلزم أي مرشح يريد أن يتولى كرسي الرئاسة أن يعتمده، ويصرف ذهنه عن التفكير باللجوء إلى أساليب القوة العسكرية الانقلابية، أو العصبية الأسرية، أو القبلية.
< ما أفرزته الانتخابات الرئاسية التنافسية الأولى في اليمن الحديث من نتائج أكبر بكثير من مجرد فوز مرشح أو سقوط آخر، ومن ثم فلا أعتقد أن من الجدوى بمكان (الوقوف الطللي) عند الاختلالات التي رافقت العملية الانتخابية، وإن كان من المهم (الوقوف النقدي) أمامها بغية استدراك تلك الأخطاء ومعالجتها في التجربة القادمة.
< أما على صعيد الشعبة الثانية، وترتبط بقراءة الأرقام التي أسفرت عنها المعركة الانتخابية، فإن القراءة كما أراها تحتاج إلى قاعدة يمكن الاعتماد عليها لمعرفة مدى تطور الوعي الانتخابي لدى المواطن اليمني، وأزعم أن الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت عام 1999 بين الرئيس علي عبد الله صالح ونجيب قحطان الشعبي، وتجميدا لكل الانتقادات التي توجه لهذه الانتخابات، واعتبارها ذات صبغة غير تنافسية، فإن ما يجب الإشارة إليه هنا أن تلك الانتخابات كانت الخطوة قبل الأولى للمنافسة الرئاسية، ومن ثم فلا أظن أن من الموضوعية تجاهل الأثر الذي أحدثته فيما بعد على المنظومة السياسية في البلاد (سلطة ومعارضة).
 
تضخم سجل الناخبين
1. أهم ما يجب الوقوف أمامه هو عدد المسجلين في الانتخابات، إلى عدد المشاركين الذين أدلوا بأصواتهم فيها فوفقاً لما أعلنته لجنة الانتخابات، فقد بلغ عدد المسجلين 9.248.456 وبلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم 6.025.818، وبفارق عدد المسجلين عن عدد الذين أدلوا بأصواتهم نجد أن عدد من لم يدلوا بأصواتهم يصل إلى 3.222.638 وبنسبة 65.15 في المائة، وهي نسبة صحيحة في اعتقادي، وتختلف إلى حد متوسط عن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأولى عام 1999 إذ بلغ عدد المسجلين 5.600.119 بينما أدلى 3.772.941 بفارق عدد المسجلين عن عدد الذين أدلوا بأصواتهم نجد أن عدد من لم يدلوا بأصواتهم يصل إلى 1.827.178 وبنسبة مشاركة بلغت 67.37 في المائة.
نلحظ هنا ازدياد عدد المسجلين في كشوف الناخبين خلال الفترة الزمنية من 1999 حتى 2006 بصورة كبيرة، بلغ عددهم 3.648.337 وهو رقم يقترب من نسبة الذين لم يدلوا بأصواتهم في هذه الانتخابات البالغ عددهم 3.222.638، ولا يقل الفرق بينهما عن 425.699 فقط، فهذا الهدر في عدد الذين لم يدلوا بأصواتهم، الذين بلغت نسبتهم 34.85 في المائة، يحتاج إلى إعادة نظر في سجلات الناخبين، والتدقيق فيها حتى نصل إلى سجلات نظيفة، فليس ثمة تفسير لهذا العدد ممن لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع إلا تفسير واحد من اثنين، إما أن ذلك يرجع إلى عدم تنقية وتحديث كشوف الناخبين، إذ تضمنت أسماء ممن ليس لهم حق التصويت مثل المتوفين، فضلاً عن امتلاء الكشوف بالأسماء المكررة والأخطاء في كتابة أسماء الكثير من الناخبين، بل إن البعض منهم لم يجد اسمه في الكشف الانتخابي برغم تصويته من قبل في ذات الدائرة الانتخابية. إلى جانب عدم إعطاء كشوف الناخبين للأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات قبل يوم التصويت بوقت كاف، قد حرم الأحزاب من مساعدة الناخبين في تحديد لجنته الانتخابية ومكان التصويت، ولعل الاستحواذ على الكشوفات الانتخابية قبيل الانتخابات بقترة طويلة من قبل الحزب الحاكم دون غيره، قد ساهم بشكل أو بآخر في تفوق مرشح الحزب الحاكم على باقي مرشحي الأحزاب. أما التفسير الثاني فهو أن ثمة إحباطا ويأسا من دور الناخب في عملية التغيير، مما يكشف عن مدى عمق أزمة المشاركة السياسية في المجتمع اليمني!! و ينبغي التأكيد هنا على أن انخفاض نسبة المشاركة لا يجعلنا نشكك في مشروعية الانتخابات الرئاسية.
2. ثاني ملاحظة تفرض علينا الوقوف أمامها بتريث وهدوء، هي تلك الخاصة بنسبة عدد الأصوات الصحيحة وعدد الأصوات الباطلة، فبحسب إعلان اللجنة العليا للانتخابات فإن عدد الأصوات الصحيحة بلغت 5.377.238 وبنسبة 89.24 في المائة، بينما بلغت عدد الأصوات الباطلة 648.580 وبنسبة تصل إلى 10.76 في المائة، وهو رقم كبير إذا ما عرفنا أن في الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت بين الرئيس صالح وأحد أعضاء حزبه، بلغ عدد الأصوات الصحيحة فيها 3.725.228 بنسبة تصل إلى 98.74 في المائة، بينما عدد الأصوات الباطلة 47713 وبنسبة لا تزيد على 1.26 في المائة.
فماذا حدث في هذه الانتخابات التي تعد تنافسية أكثر من الانتخابات الأولى؟ ويفترض أن الوعي الانتخابي تطور مع الزمان، لماذا تجاوزت عدد البطاقات الانتخابية التالفة النصف مليون بطاقة؟ هل الناخبون الذين بطاقاتهم باطلة كانوا غير مقتنعين بالمرشح المنافس، أو بالمرشحين جميعا، فهو تعبير احتجاجي على نوعية المرشحين؟، أم أن ثمة مؤامرة إفساد للبطاقات الانتخابية التي كانت في الدوائر التي هي محسوبة للمعارضة، بحسب ما تروجه الأخيرة، أم أن ثمة تراجعا في الوعي الانتخابي، مقارنة بالانتخابات التي جرت قبل سبع سنوات؟. وأيا تكن التفسيرات فإن هذا الرقم الكبير يعد لطخة في جبين التجربة الانتخابية الأخيرة، وتشير إلى حجم اتساع دائرة العبث في البطاقات الانتخابية بغض النظر عن المسئول عن هذا العبث.
3. ثالث محطة نقف أمامها هي تلك المتعلقة بنسبة نجاح الفائز، الذي هو هنا الرئيس علي عبد الله صالح، مقارنة بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأولى عام 1999، فقد قالت اللجنة العليا للانتخابات إن الرئيس صالح حصل 4.149.673 وبنسبة تصل إلى 77.17 في المائة من الأصوات الصحيحة، بينما حصل منافسه المهندس فيصل بن شملان 1.173.075 وبنسبة تصل إلى 21.82 في المائة من الأصوات الصحيحة، في الوقت الذي حصل منافس الرئيس صالح في الانتخابات الرئاسية الأولى على 141433 صوتا، بنسبة 3.75في المائة من إجمالي الذين أدلوا بأصواتهم، وبنسبة 3.80 في المائة من عدد الأصوات الصحيحة.
ما يهمنا هنا ليست أعداد الأصوات التي حصدها مرشح المعارضة، ولكن عدد الأصوات التي حصدها مرشح الحزب الحاكم، لأسباب كثيرة أهمها أنه المرشح أكثر حظا في الفوز، ولأنه يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية، ويمتلك الخبرات الكافية في هذا المجال مقارنة بمنافسيه الآخرين، ولمعرفة مدى ازدياد شعبيته خلال السنوات السبع منذ الانتخابات الأولى، ودور حزبه في رفع نسبة هذه الشعبية إن وجدت.
 
فرضيتان والنتيجة مختلفة
تقول الأرقام التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات إن الرئيس صالح حصد في الانتخابات الرئاسية الأولى قبل سبع سنوات 3.583.795 وبنسبة 96.20 في المائة من الأصوات الصحيحة، وبنسبة 94.99 من عدد الذين أدلوا بأصواتهم، بينما حصل في الانتخابات الأخيرة على 4.149.673 بنسبة 77.17 في المائة من عدد الأصوات الصحيحة، وبنسبة 68.86 في المائة من عدد الذين أدلوا بأصواتهم. وهو ما يشير إلى أن ثمة تراجعا في عدد المؤيدين لسياسة المؤتمر الشعبي الحاكم الذي يترأسه صالح، ازاء تضخم السجل الانتخابي الأخير، إذ بلغ عدد المقيدين أسماءهم 9.248.456، وارتفاع عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة بزيادة تصل إلى 2.252.877، ومع خصم عدد الأصوات الباطلة البالغ عددها 648.580 صوتا، ما يتبقى من حجم الزيادة في عدد الأصوات الصحيحة 1.652.010 أصوات في هذه الانتخابات، فإننا سنقف أمام فرضيتين:
الأولى في حال افترضنا أن الكتلة الانتخابية التي أدلت لصالح الرئيس علي عبد الله صالح، لم يكن من بينها أعضاء الإصلاح وأنصارهم الذين أعلنوا يومها ترشيحهم إياه، وهي فرضية دأب قادة الحزب الحاكم على ترديدها باستمرار منذ انتهاء الانتخابات تلك، وهي بالطبع غير صحيحة، لمعرفة كاتب السطور بدور الإصلاح في حشد الأصوات لصالح الرئيس، أقول في هذه الحالة، سنجد أن الحزب الحاكم لا يحتاج من الأصوات الصحيحة سوى إلى 565.878 صوتا، ليصبح عدد الأصوات التي حصدها صالح ذات الرقم المعلن، وبالتالي سيتبقى من إجمالي الأصوات الصحيحة، بعد انتزاع الرقم الذي بموجبه حصل على الأصوات المتجاوزة الأربعة مليون، 1.086.132 صوتا، وهو رقم ذهب لصالح مرشح اللقاء المشترك، لكن ثمة نقص هنا بالعدد حتى يصل إلى الرقم المعلن من الأصوات المعلنة (1.173.075) صوتا، وبالتالي فإنه محتاج إلى 86.943 صوتا، الذي يمكن أن يكون قد حصده من كتلة الأصوات التي أدلت بها لصالح نجيب الشعبي، والبالغ عددها 141433 صوتا، وبالتالي فإن المتبقي من هذه الكتلة الصوتية التي سبق أن ذهبت للشعبي والبالغ عددها 54490 صوتا في عام 1999 هي ذاتها كمية الأصوات التي حصدها المرشحون الثلاثة المستقلون!.
أما في حال الفرضية القائلة إن الإصلاحيين، وأنصارهم أدلوا بأصواتهم في انتخابات عام 1999 للرئيس صالح، فإننا إذا أخرجنا هذه الأصوات ولنقدرها فرضا بما يقارب 1.000.000 صوت، من إجمالي الرقم الذي حصل عليه الرئيس صالح، فإننا نجده حصد من الزيادة نحو 1.565.878 صوتا من أصل 1.652.010 أصوات صحيحة، وهو رقم كبير، لكن هذا الحساب يصطدم مع حقيقة إذا ما علمنا أن المتبقي من الأصوات الصحيحة الزائدة يبلغ 86132 صوتا، التي نفترض أنها ذهبت لصالح مرشح المعارضة بن شملان، ليصبح مجموع الأصوات 1086132 صوتا، بعد أن يكون قد ضمن المليون صوت من الانتخابات السابقة، ولكي يكون قد وصل إلى الرقم التي أعلنت عنه اللجنة العليا للانتخابات فإنه سيحتاج إلى 86943 صوتا يمكن أن تكون حصل عليها من الكتلة الصوتية البالغ عددها 141433 صوتا التي ذهبت في الانتخابات الأولى لنجيب الشعبي، وبالتالي فإن المتبقي من هذه الكتلة 54490 صوتا سنجدها هي ذاتها من دون أي زيادة أو نقصان التي أعلنت عنها اللجنة العليا أنها هي مجموع الأصوات التي حصل عليها المرشحون الثلاثة المستقلون.
هذه القراءة الرقمية ذات البعد الافتراضي تكشف عن اتجاهات محددة تتعلق بمدى صدقية الأرقام المعلنة، وعما إذا اقتنعنا أن الكتل الصوتية الانتخابية تتسم بالجمود، والمحافظة على القوام الكمي رغم مرور الزمان وتقلباته، وبالطبع هذا الاقتناع غير علمي، كما أنها تشير إلى أن مرشح الحزب الحاكم في كلتا القراءتين الافتراضيتين لم يحقق شعبية كبيرة منذ سبع سنوات، ففي حالة الفرضية الأولى فإنه لم يحصد أكثر من نصف مليون صوت، مع فرضية محافظته على الأصوات التي منحته قبل السنوات السبع الماضية، وفي حال الفرضية الثانية فإنه خسر مليون صوت من الكتلة الصوتية التي كانت قد ذهبت لصالحه، ولكنه استطاع أن ينتزع أكثر من مليون ونصف من الأصوات الصحيحة التي زادت في سجلات الناخبين، بينما منافسه المستقل، والمعروف في حدود النخبة السياسية فقط، وغير المشهور في الأوساط الشعبية، استطاع انتزاع أكثر من مليون صوت في أقل من ثلاثة أشهر.
< بات الحزب الحاكم ومرشحه، بعد انتهاء المعترك الانتخابي، يدركون اليوم أكثر من غيرهم أنهم ظلوا مستنفرين، مع وزرائهم ومسئوليهم، طوال العملية الانتخابية، واستخدموا كل أوراق قوتهم، ووظفوا كل نقاط ضعف منافسيهم، وأيقنوا أنهم أمام منافس جاد وقوي، رغم أن الطرف المقابل لا يمتلك كل الأدوات التي يمتلكونها، ورغم أنه خاض الانتخابات متأخرا، وتعثر كثيرا، بسبب تجربته الأولى. كما أيقن الحزب الحاكم ومرشحه أنهم واجهوا تحدياً حقيقياً مع الهيئة الناخبة، فلم يعد بعد اليوم مجديا التعاطي مع قضاياها بتهاون أو إهمال أو تجاهل وأن عملية انتزاع الأصوات من هذه الهيئة، أو كسب تأييدها، لم يكن سهلا، وكلفهم الكثير من المال والجهد والإسراف بالوعود، كما أن المزاج الشعبي الناخب، لا يتسم بالمطلق بالثبات أو الديمومة، ويمكن أن يتحول في لحظة إلى النقيض دون أن يستطيع أحد إعادته إلى المربع الذي كان عليه في السابق.
< بانتهاء الانتخابات الرئاسية بما لها وما عليها، وإدراكنا بأنها قد حركت على الأقل المياه الراكدة في الحياة السياسية اليمنية، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، فإن أمام الرئيس صالح في بداية مشوار ولايته الرئاسية الجديدة العمل فوراً في تبني حزمة متكاملة من الإصلاح السياسي والدستوري، لتنفيذ برنامجه الانتخابي الذي على ضوئه تقدم إلى الناخبين طالبا إعادة ترشيحه رئيسا لهم، والبحث عن أدوات وشخصيات نظيفة لتنفيذ برنامجه، وإعادة النظر في كثير ممن يزعمون أنهم من أعوانه وهم يعملون لذاتهم، ويسيئون لقيادته. فهل سنجرؤ على القول إن الانتخابات الرئاسية لم تؤد إلى تغيير في الوجوه، لكنها أدت إلى التغيير إيجابا في السياسات.