سؤال الوحدة

سؤال الوحدة

 المحرر السياسي
ليست «الوحدة» آلهة مقدسة تصدح بالدعوة إلى عبادة الفرد الواحد الأحد، ونحر الذبائح وسكب المدائح.
ليست «الوحدة» ما نسمع ونرى من سفه في إنفاق المليارات على أمجاد من ورق وخرق، وعلى انجازات تلفزيونية وأناشيد ورقصات واحتفالات وطقوس وولائم وحشود وما إلى ذلك من أشكال الامعان في الغياب عن الزمن الانساني المعاصر، وأشكال اتقاء شر العصر، وتأكيد الذات النرجسية الجريحة بالاقامة المستدامة في لحظة ماضية مؤثثة بشعراء البلاط والمهرجين وحملة المباخر والمشاقر بمشهدية فلكلورية سقيمة لا تثير حساسية ضحك عالم الالفية الثالثة إلا بمقدار اتساع هذا العالم على كوة من احتمال لأرشفة مايحدث في اليمن من باب الاقرار بقدومه من لحظة غابرة في الزمن.
ليست «الوحدة» كل هذا الهراء والهباء، وذلك ما تقترحه علينا اللحظة الراهنة حيث ترتد بنا ذكرى إعلان الجمهورية اليمنية الموحدة إلى سؤال الوحدة التي لم تنجز بأفق احتضان التعدد والتنوع والاحتفاء بالاختلاف، والارهاص بانتقال ديمقراطي سلس ومتدرج, والقطع مع إرث الشمولية والاستبداد، فكراً وممارسة، والرهان على ثقافة سياسية ديمقراطية جديدة تأخذ مداها في التجذر بالزمن الحاضر، والتبلور في فضاء مفتوح على الحوار، وإعادة الاعتبار للسياسة بما هي تدبير عقلاني للشأن العام، وتداول وتبادل لمقاليد هذا الشأن المحكوم بمؤسسات دولة الحق والقانون المرتجاة.
وكما كل مرة، بل وعلى نحو أشد، يتطاول أمامنا سؤال الوحدة في ذروة تحديه وقسوته ومجازية استفزازيته التي تشير إلينا بتهمة اغتياب «وحدة» لم تنجز، وسؤال يتمدد في قعر هاوية انزلقت اليها البلاد بسبب من عدم التفحص الدقيق لذلك السؤال (سؤال الوحدة) بمنظار العين النقدية الثاقبة في التقاط النقاط المفصلية التي طالما افضت إلى مصارع احلام الوحدويين العرب وانكساراتهم المأساوية بإسم ورسم الوحدة المغلفة بإلغاء الآخر والمهروسة بهيمنة الواحدية الفكرية التي فرشت ارض الاستبداد السياسي وحقنتها بمصل الواحد، الرمز، «القائد الضرورة»، وانتهت بالجمهوريات إلى عروش خاوية تآكلت وتشخصنت واختطفت من قبل اقليات طائفية، ثم قبلية، ثم عائلية، فوراثية وذلك آخر عنقود في ضفيرة الحزام الناسف للجمهورية والوحدة.
بهذا المعنى ينطرح سؤال الوحدة بإلحاح ينزع طلاء وهم الايديولوجيا عنها، وبمغايرة تتوسل تخليص الوحدة من براثن الاختطاف، والحفر العميق في سؤالها بغية الاهتداء إلى سبيلها.