مهزلة مؤتمر نقابة الصحفيين ودخلاء المهنة ورجال الأمن

مهزلة مؤتمر نقابة الصحفيين ودخلاء المهنة ورجال الأمن - نادرة عبدالقدوس

 ليس بالغريب ما شاهدناه من فوضى وغوغائية وعدم احترام لجلسات مؤتمر نقابتنا، الذي انعقد في منتصف الشهر الجاري؛ لأن ما كان يدور أمامنا من حركات (وتحركات) من قبل عناصر غريبة لا يبدو عليها أنها من صميم مهنة الصحافة ولا تمت إلى النخبة المثقفة بصلة، يؤكد أننا كنا في أحد أسواق النخاسة أو أسواق المزاد.
إن ما جرى من مهازل في قاعة "أبوللو" للمعارض في صنعاء، من الرابع عشر وحتى السادس عشر من مارس الجاري خزي وعار علينا نحن الصحفيين، النخبة، كما قالها رئيسنا "الصالح"، فأي نخبة كانت!؟
عندما انعقد المؤتمر التوحيدي لنقابة الصحفيين اليمنيين ومنظمة الصحفيين اليمنيين الديمقراطيين عام 1991 في صنعاء، حين انتُخب الأستاذ عبدالباري طاهر نقيباً للصحفيين الوحدويين عن جدارة، كان النظام سيد الموقف، وكنا، نحن الصحفيين المشاركين في جلساته، نشعر بالفخر والزهو بأننا بالفعل نمثل النخبة والقدوة في المجتمع، فقد ساد المؤتمر جو من الديمقراطية والحكمة وروح التعاون والإخاء، وجرت الانتخابات على هذه الأجواء الرائعة؛ فلم نر هذا الهرج والمرج والاستهتار بحدث ليس هيناً وليس عادياً، ولم نرَ هذه المشاهد العسكرية والأمنية غير اللازمة. إن ما عشناه في الأيام (المارسية) تلك أعطت انطباعاً صارخاً عن مدى ما وصلت إليه نقابتنا من ضعف وهزال، مما ساعد على اختراق وسطها بحثالة من المدّعين فروسية اللكمة، عفواً! الكلمة. وقد رأيناهم ينتشرون في جنبات القاعة بكل صفاقة، وكأننا في زريبة أبقار أو في حلبة للملاكمة أو للمصارعة الحرة. وما حدث للزميلين أحمد الحاج ونجيب صديق لن يغيب عن أذهاننا، بل إن مشاهد الفوضى المقصودة ومحاولة ترهيب المنتمين إلى المهنة الحقيقيين بغرض إفشال المؤتمر وإعطاء صورة غير حقيقية عن أصحاب المهنة النبيلة الشرفاء، لن ننساه ما حيينا؛ بيد أننا نؤمن أن كل باطل لا يدوم، وأن ما جرى لن يتكرر، وإلا سنقول: وداعاً لهكذا نقابة!
إن مهنة الصحافة ليست مجالاً للارتزاق، وليست ميداناً للفتوة واستعراض العضلات. كما أنها ليست بؤرة للفساد والفاسدين والمفسدين ومن لف لفهم. إنها سلطة في المجتمع، تسهم بفاعلية في رقي المجتمع والارتقاء بالإنسان. وهي صاحبة الجلالة، تضاهي سلطة السلطان في البلاد (إلا في اليمن طبعاً). ومن يمتهن مهنة الصحافة يُعد من صفوة القوم، يحمل رسالة نبيلة في المجتمع، ومن المفترض أن يتحلى بالأخلاق العالية وأن يربي نفسه على الإحساس بالمسؤولية وأن يكرّس قلمه لخدمة الكرامة الإنسانية، وأن ينمي طاقته على الحوار واحترام الآخر مهما كانت درجة الاختلاف معه.
لقد عبر رئيس الفيدرالية الدولية للصحفيين، السيد جيم بوملحة، عن مهزلة مؤتمر النقابة بأسف بالغ، قائلاً إنها فوضى عارمة لم يشهد لها مثيلا في مؤتمرات إقليمية أو دولية... فهل بالفعل كنا في زريبة أم في مؤتمر نقابة!؟ وهذا الذي جعلني أقدم استقالتي من هيئة رئاسة المؤتمر في ذلك اليوم، لأنني أنوء بنفسي عن سفاسف الأمور، ولا أود أن أكون "مثل الأطرش في الزفة"، فلا رأي يُسمع، ولا كلمة خير يؤخذ بها. وكنت أشعر بأن هيئة الرئاسة في وادٍ وأعضاء الجمعية العمومية في وادٍ آخر (مهزلة!). حتى أن الأستاذ عبدالباري طاهر، الذي انتُخب رئيساً لهيئة الرئاسة، لم يأخذ حقه في رئاسة الجلسات وإدارتها كما كان يجب، ونافسه في هذه المسؤولية زميله علي الرعوي، ومن ثم حمود منصر الذي نصّب نفسه نائباً للرئيس بعشوائية، وحرماه من مسؤولية الرئاسة (مهزلة!). وكم رثيت لهذه الشخصية الإنسانية المثقفة الرائعة!
ما جرى حدِّث ولا حرج! أفراد غرباء انتشروا بيننا ينصتون إلى همساتنا ويراقبون حركات شفاهنا (مهزلة!). وكان أحدهم دخل في مهاترات وتلاسن، لولا أهل الخير لانفض المؤتمر، يقال إنهم من الأمن! عندما طلبت هيئة رئاسة المؤتمر خروجهم من القاعة لم ينصع أحد طبعا، فطُلب من الكل الخروج من القاعة ليتم الدخول إليها ببطاقة المشاركة. وأثناء الدخول تسرب مرة أخرى رجال الأمن! وأصبحنا كالمؤذن في مالطا! (شوفوا المهزلة!)...
الغريب في الأمر أنني لم أكن أحمل بطاقة الدخول والمشاركة في المؤتمر كبقية زملائي، وعندما سألت عن السبب قيل لي إنني سأستلمها في القاعة صباح اليوم الأول من انعقاد المؤتمر، وطال الانتظار، وهكذا في اليومين التاليين، حتى حان موعد الاقتراع، عندها لم أجد اسمي مقيداً في قائمة الجمعية العمومية!! وقبل أن ينطلق السؤال من فمي طلب مني أحد الزملاء من لجنة الفرز التقدم للاقتراع كوني صحفية معروفة. ولكني أصررت على معرفة سبب سقوط اسمي من القائمة، إلا أنني لم أجد الجواب، ودخلت كابينة الاقتراع السري.. (شوفوا المهزلة!)، ثم كتبت اسمي بقلم الحبر الجاف في نهاية قائمة أسماء أعضاء الجمعية العمومية (شوفوا المهزلة!)، وكان اسمان قد كتبا بالقلم ذاته قبل اسمي!! فكم اسم كُتب بعدي؟!!(شفتوا المهزلة!!).
nadra