قيام.. جلوس

قيام.. جلوس - نبيل قاسم

قامت الحرب، استمرت لسنين عدة، خلفت كثيراً من الدمار ومن الأرواح ومن الأموال، كانوا يصنعون الشهداء كما يصنعون الخبز. كانوا يبيعون السلاح كما يبيعون الطماط في الموسم. صدور المدنيين والعسكريين ابتلعت كمية السلاح تلك. الرصاص بالطبع أسرع من الخبز في الوصول للمعدة، اكتشاف هام يجب أن نبلغه لمنظمة الأغذية العالمية وللمنظمة العالمية للسكان. لماذا لا يشكل مجلس النواب لجنة لتقصي الحقائق؟ تهتم بالحرب في هذه البلاد الفقيرة عن جدواها وعن تكلفتها مقارنة بتكلفة خمس محطات لتحلية مياه البحر. عن أسماء الجنود الذين قتلوا وعن أعمارهم، عن أسماء المدنيين الذين قتلوا وعن أعمارهم، وعن الآثار الكارثية التي نجمت عن هذه الحرب. نريد أن نعرف لماذا قامت الحرب، ولا نريد أن نعرف من المنتصر بقدر ما نريد أن نعرف من المستفيد. لماذا أصبح نظاماً في البلدان المتخلفة أن لا يتم إحداث أي تعديل إلا بافتعال حرب؟ لابد من حدث كبير بواسطته يتم خلق وضع جديد، هذا الحدث الكبير إما أن يكون تفجيراً أو اغتيالاً أو حرباً لا يهم وإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ إلى متى سنظل أسرى لأجهزة تتصارع فيما بينها ونحن ندفع الثمن؛ إلى متى سيظل إخواننا يقتلون من حولنا ونتعامى وننشغل بحكم من بال وهو مستقيم، إذا ما كان جائزاً أو مكروهاً؟ لماذا أصبحنا نتقبل أي موضوع يلقي به الحاكم لنا ونلوكه مثل العلكة، وتظل أسناننا تصطك في انتظار موضوع آخر؟ أصبحنا مجرد رد فعل باهت للأحداث مأساوية جداً.
لماذا لا تشكل لجنة من المعارضة لتقصي آثار الحرب؟ لماذا لا تتشكل لجان شعبية؟ تقوم الحرب وتجلس الحرب بكل سهولة وكأن المعلم دخل إلى الفصل وقام الطلاب وجلسوا دون أن يعرفوا سوى سبب واحد وهو الاحترام. سبب واحد يكفي وهناك أسباب عديدة يمكن استنتاجها؛ كأن يحرك الطلاب أرجلهم، كأن يفرِّقوا بين حصة وأخرى، كأن لا يصيبهم الملل و....الخ.
وتقوم حروب داخل البلد وبسهولة شديدة يصرخ أحدهم للحرب: قيام فتقوم وتستمر ويصرخ نفس الشخص أجلسوا الحرب فتجلس وتنتهي وينتهي الفيلم، لكن الأحقاد تظل قائمة ولن تجلس أبداً، والقتلى يظلون قتلى، والخسائر تظل خسائر والكآبة تظل كآبة، لأننا لسنا في فيلم هندي ذو نهاية سعيدة. وشيء واحد يظل جالساً ولا يقوم أبداً وهو إحساس الناس.
إحساس الناس بفداحة ما يحصل وإذا فكروا هناك من سيصرخ فيهم:جلوس.