والحروب بمبررات دينية وايديولوجية مرفوضة أيضاً

والحروب بمبررات دينية وايديولوجية مرفوضة أيضاً - محمد المنصور

بعد مضي قرابة شهرين على بدء الحرب الخامسة بصعدة وغيرها من المناطق، والتي تعد الأشد فتكاً وتدميراً للبشر والموارد، عادت وبقوة الطروحات الفكرية والايديولوجية التبريرية للحرب واستمرارها وضرورة حسمها. استناداً إلى تلك المبررات المؤدلجة التي ترى الصراع من منظور ديني، مذهبي، عنصري، تاريخي يمتد إلى 1200 عام هو تاريخ وجود الزيدية في اليمن عند البعض، وعند البعض الآخر فإن الصراع بين السلطة والحوثيين يعود لبداية الثورة الإسلامية في إيران وأوائل الثمانينات، مقترناً بجملة حوادث عنف نسبها مؤخراً الدكتور رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن إلى جماعة الشباب المؤمن، مؤكداً إرتباطها بإيران منذ ذلك الحين. نحن، إذاً، إزاء سلسلة من التناقضات الموضوعية والتاريخية التي يشهرها الخطاب الرسمي للحرب المدمرة، كتبرير وغطاء لهول وفداحة ما يجري، وإطالة أمد المحرقة العبثية حتى وإن صحَّت بعض أو كل تلك المبررات الفكرية التي تساق، فلا شيء يجيز قتل البشر واقتتالهم بدواعي دينية أو فكرية أو عرقية، وإلا كنا في مرحلة الجاهلية حيث داحس والغبراء والبسوس تقدم امثولات على الفكر القبلي المتخلف الذي سبق فكر الحضارة والعمران وإقامة الدولة.
يذهب المؤرخون إلى القول بأن لكل حرب مرجعياتها التاريخية التي تشمل الأساطير، والملاحم، والعقائد الدينية، والمذاهب الاخلاقية والتشريعية، التي تبرر الحرب والعنف المادي والمعنوي المصاحب والنتائج المدمرة، التي عادت على الشعوب والحضارات بأفدح العواقب. وفي ما تشهده صعدة من حروب منذ العام 2004 وحتى الآن نجد أن ثمة من قام بتبني الخطاب الطائفي داخل السلطة وخارجها لإضفاء مشروعية وطنية على الحرب، وأسهم، للأسف، بعض رموز التيار السلفي بالتعبئة الطائفية والعنصرية وسوق الفتاوى التكفيرية، وإصدار الكتب، والمؤلفات التي تصب في اتجاه خلق صراع طائفي (شيعي- سني) تتبنى فيه الدولة وجيشها الدفاع عن السنة ضد الروافض الإماميين تحت عنوان مواجهة الحوثيين، وكان ذلك التوجه ولايزال تعبيراً، في جانب منه، عن مأزق الحرب كسياسة لمواجهة المشكلة في صعدة، بخاصة أن تبنى الخطاب الطائفي في بلد كاليمن، لم يبن -تاريخياً- على أسس طائفية، هو تعبير عن العجز، وفقدان الشرعية، وهو لاشك بالغ الخطورة للعم السياسي -كما يقول المؤرخ اللبناني د. بشير موسى نافع، مجلة موازين اللبنانية فبراير 20٠_2- الذي يضيف أن تبني الخطاب الطائفي هو تعبير عن عزلة أصحابه لإنهم يدركون أن وجودهم، ودورهم السياسي غير ممكن دون اللجوء إلى الابتزاز الطائفي.
في اليمن وخارجها يذهب الكثير من الكتاب والمفكرين إلى البحث عن أسباب تجدد الحروب بصعدة، بل عن أسبابها الفعلية، ولهم الحق في ذلك قياساً إلى غياب الشفافية والتعتيم على ما يجري حتى عن ممثلي السلطة التشريعية في البرلمان وغيرهم، إضافة إلى تعدد الروايات الرسمية عن الحرب ومبرراتها والأطراف الفاعلة فيها، داخلياً وخارجياً، حداً يبلغ التناقض، ثم تأتي المراحل الزمنية الفاصلة بين الحروب الخمس لتبرهن من جهة على إمكانية الوصول إلى حل وتفاهم بين السلطة والحوثيين، ومن جهة ثانية على عدم صحة جل ما ينسب إلى الحوثيين من تهم رسمية تطفو وتتلاشى بحسب الصراع وحدته والعكس.
 إن اصرار البعض في السلطة وخارجها على أدلجة الصراع في صعدة وتحفيزه طائفياً وعرقياً يفاقم المشكلة، ويوسع من دوائرها، ويذهب بها نحو الأقلمة والتدويل. وثمة مؤشرات كثيرة على ضيق الداخل اليمني بأزماته السياسية والمعيشية الخانقة، فضلاً عن تحمل أعباء حرب ونزيف بشري ومادي لا معنى له، كما وأن موقف الاتحاد الاوروبي، والموقف الامريكي الذي عبرت عنه السفارة الامريكية المعبرين عن القلق مما يجري بصعدة، وانعكاسات الحرب على الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ودعوتهما صراحة إلي الحوار والعودة لاتفاق الدوحة (الذي عبر عنه الاتحاد الاوروبي خصوصاً) يدل على الحرص على أمن واستقرار اليمن. وهي رسالة من أطراف دولية فاعلة ومؤثرة لا نتمنى أن تتجاهلها السلطة في بلادنا التي نرجو أن تقدم مصلحة اليمن وشعبها على مصالح دعاة الحرب والاستئصال والابادة بدواعي مذهبية لإنها بنتيجة ما أقدمت عليه من تبريرات لسفك الدماء، وتشريد النساء والاطفال وخراب المدن والقرى والعُزل والمساجد والمصالح العامة والخاصة مسؤولة أمام الله وأمام التاريخ الذي لا يمكن شطبه والغاؤه، بجانب أن الحروب بدوافع ومبررات مذهبية أو فكرية هي جرائم حرب بحق الإنسانية يجرمها الدستور والقانون اليمني والإنساني (الدولي).
إن رفض الحرب بمسوغات دينية وفكرية إيديولوجية (تبقى محل حوار واختلاف واتفاق في وجهات النظر) وتوظيفها على صعيد الداخل، هو رفض كذلك لمنطق تحويلها إلى حرب بالوكالة، أقليمياً أو دولياً، لإن في ذلك إسقاطاً لآخر مظاهر السيادة والاستقلال الوطني اليمني لن يعود على النظام بأية منفعة سوى مزيد من إضعافه وابتزازه في القضايا والملفات الأخرى. لقد كانت اليمن -تاريخياً- بمعزل عن سياسات الاستقطاب والمحاور الأقليمية والدولية، وكانت فاعليتها مستمدة من اعتزازها بثقافتها وهويتها العربية والاسلامية، وبإحساسها بأهمية الموقع الجغرافي، والأدوار التاريخية التي لعبتها قبل وبعد الإسلام.
وفيما يلوح دور سعودي سياسي داعم لحرب صعدة، جاءت الفتاوى الموقعة من عدد من دعاة المذهب الوهابي الرسمي كمؤشر على خطورة استدراج السلطة إلى مأزق الحرب الخامسة من البوابة الدينية والمذهبية التي وضعتها الوهابية السلفية (في اليمن ولبنان) في خانة واحدة من العداء، رغم اختلاف الحيثيات والتفاصيل، كأنما تريد تعويضاً في صعدة عن الإخفاق في لبنان، وفق معطيات تندرج في أطار قراءة ومحاكمة للنوايا تلخصها المقولة الرائجة من قبل المبررين للحرب والمنظرين للتدخل السعودي والتي مفادها: «حتى لا تتكرر تجربة حزب الله آخر في جنوب المملكة وعلى تخوم حدودها».
المؤكد أن مصحلة اليمن (السلطة والشعب) هي في علاقة احترام ومصالح متبادلة مع الاشقاء في السعودية والخليج وإيران، والجوار الافريقي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، (وذلك) يقتضي -قبلاً- حل مشاكل الداخل اليمني (صعدة -القضية الجنوبية- الإصلاح السياسي الشامل- تنفيس أجواء الاحتقان)، لكي يكون لمبادرات حل المشاكل العربية والاقليمية التي تبادر إليها السلطة ثقل واحترام يؤدي الغاية منها.. وإلا كيف ننادي الصوماليين والجيبوتي والارتيري والاثيوبيين، والفرقاء في فلسطين إلى الصلح والوئام، وتقدم المبادرات الحسنة، ولما تزل الدماء في صعدة وغيرها تنزف يمنية عزيزة، وقادة الحراك الجنوبي في السجون والمعتقلات، ومئآت آخرين بدعوى الحوثية ومرادفها من علماء ودعاة وسياسيين يقبعون منذ أسابيع وأشهر وسنوات في السجون؟ لكل ذلك ندعو، مخلصين إلى إيقاف الحرب وتداعياتها، واطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين من الجنوب وغيرهم من قيادات حزب الحق وغيرهم، ووقف حملات الكراهية واللعبة المذهبية المرفوضة والمدانة وإشاعة أجواء الحوار والتفاهم، وحلحلة المشكلات التي يقع الدور الأكبر فيها والمسؤولية العظمى على عاتق السلطة، والرئيس علي عبدالله صالح بالذات كون أوراق اللعبة بيده وبنسبة 99٪_ كما كان يقول الرئيس السادات عن اميركا، ويا فخامة الرئيس مازال هناك وقت.
أخيراً: حملت واقعة إطلاق الكاتب الكبير الأستاذ محمد المقالح دلالة إيجابية، وإنْ جاءت متأخرة وبثمن شهرين من الظلم والعسف. معها نتفاءل ونأمل بأن يتم الافراج وبسرعة عن: الخيواني, مفتاح، سامي الوزير، علي منصر محمد، فهد القرني، حسين زيد بن يحيى، أحمد بن فريد، علي هيثم الغريب، يحيى غالب، وكل المعتقلين على ذمة الحراك الجنوبي، وحروب صعدة.