القبيلة والدولة والحداثة

القبيلة والدولة والحداثة - غازي عبدربه القاضي

في الفترة الماضية ظهرت الكثير من الكتابات تتناول العلاقة بين القبيلة والدولة أو دور القبيلة. وغلب على البعض منها الأحكام المسبقة والسطحية الشديدة مقدمةً صورة واحدة للقبيلة هي صورة قاطع الطريق أو البلطجي أو ناهبي الاراضي، معتبرةً القبيلة حجر عثرة أمام تقدم المجتمع وأن تقليدية القبيلة حالت دون تطبع المجتمع بالطابع المدني.
 يرى البعض أن القبيلة احتلت مكانة الدولة غير واعين أن الدولة هي التي نزلت إلى ممارسة دور القبيلة. فهل من المفترض أن تبقى سيادة القبيلة حاضرة في ظل سيادة الدولة؟ إن الوضع القائم يدل على فشل الرسالة الاجتماعية للدولة التي من المفترض بها، ومن خلالها، أن تقوم بنقل المجتمع من حالة الكائنات البدائية المدفوعة بغريزة البقاء في صورتها الاولى (القبيلة) إلى مرحلة متحضرة (المجتمع المدني) لكن المجتمع اليمني ومنذ أنهيار حضاراته الاولى انحدر نحو حالة ما يسمى بالتبدي وهي حالة أسهمت في انهيار الحضارات الاولى ولازالت مستمرة في سلوك المجتمع حتى يومنا هذا حيث نرى أن هناك انتقال لسلوك الريف إلى المدينة، والبعض بدلاً من الانخراط في الحياة المدنية يبتعد عنها مفضلاً العودة نحو التقبيل.
إن الدولة ومنذ قيام الثورة لم تستطيع بناء مجتمع مدني ونلاحظ أن القلة من المجتمع اليمني هم من أثرت فيهم الحياة المدنية إيجابياً والغالبية العظمى لم تؤثر فيهم الحياة المدنية الا بجوانبها المادية. أن المجتمع اليوم يعيش مرحلة انتقالية (بل حالة فراغ) ما بين قيم قديمة تمثلها القبيلة ومرحلة لم تتجسد معالمها أدت إلى حالة من الفوضى نتيجة عدم حلول الدولة محل القبيلة وقيام الدولة بدورها نحو المجتمع والقيام بوظائفها وبالتالي تنتفى الحاجة لبقاء القبيلة.
 القبيلة حاضرة في حياة اليمنيين رغم عدم رضا الكثير منهم لذلك الحضور ولكن الدولة لم تتمكن من التحرر من مخالب القبيلة وتدار الدولة كما تدار شؤون القبيلة (بالبركة) وما رئاسة الدولة إلا ديوان مشيخة تصدر منه قرارات رسمية. فالدولة إلى الآن لا تشكل سوى قبيلة كبيرة بين القبائل رئيسها شيخ للمشائخ، وهناك غياب شبه كامل للرسالة الاجتماعية للدولة.
 القبيلة في الوضع الحالي لازالت ضرورة في ظل غياب المواطنة المتساوية وغياب سلطة النظام والقانون، وأن المجتمع اليوم يشكل خليطاً غير متجانس، ويحتاج إلى عملية دمج اجتماعي برسالة اجتماعية بعيدة المدى تهدف إلى ترسيخ قيم المدنية حيث لازال السلوك المسيطر على الناس مرتكزاً على عادات الانسان البدائي: تقطع، نهب، فيد. والدولة لازالت تكرس لدى القبيلة القيم السلبية وتشجعها. أن وجود الدولة في المجتمع الانساني جاء ليحل محل القبيلة كعقد اجتماعي، وسيطرة القبيلة على الدولة في اليمن منافً لأسس قيام الدولة ومناقض لهدف من أهداف الثورة المتضمن رفع مستوى الشعب اجتماعياً وثقافياً فالدولة ظلت أسيرة لأفق القبيلة الضيق عوضاً عن فضاء الدولة الواسع.
 إن المسؤولية ليست مسؤولية القبيلة، و الكثير من الممارسات الغرائزية لا تخص القبيلي دون سواه ولكن غياب الدولة وعجزها ونجاح القبيلة بسلوكها السلبي في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية واجتماعية للبعض، جعلهم نموذجاً يحتذى به فنرى على سبيل المثال في المناطق القبيلة يفضل الكثير اتباع أسلوب قاطع الطريق أو القاتل أو المهنجم والبلطجي لأن هذا هو السياق العام للمجتمع، ومن حاول الخروج عن ذلك يجد نفسه معزولاً عن المجتمع، فلا وجود لمجتمع مدني حقيقي يستوعبه.
 حتى مدننا نحن اليمنيين شأنها كشأن دولتنا مجرد كانتونات معزولة لم تستطيع تحقيق وظائفها المدنية والاجتماعية. بعكس ما حدث في دول عربية كدول الخليج التي نجحت نوعاً ما في إدماج المجتمع القبلي مستفيدة من الطفرة المادية.
بات هرم القيم مقلوباً في واقعنا، حيث تقدير المجتمع للفرد بما سلب ونهب وكم طريق قطع لا بأمانته وتحضره، فهناك مشائخ ووجهاء قبائل سلكوا طريق الحداثة والتحضر لم يحصدوا سوى اضمحلال مكانتهم الاجتماعية لصالح النموذج السلبي.ابق والأساليب التي نشكو منها اصبحت وسيلة التخاطب المفهومة لدى الدولة فأي صاحب مطالب قد لا تسمعه الدولة أو تستجيب له مالم يتخاطب معها بذات الاسلوب.
تعيش القبيلة اليوم في مأزق كبير فهي عرضة للتحلل بفعل فقدان الكثير من القيم الإيجابية التي كانت سبباً في تماسكها وبقائها لصالح قيم سلبية تقود إلى تمزق القبيلة وتفككها.
 القبيلة اليوم لم تعد سوى اداة تستخدمها الدولة عند الحاجة للفيد او لضرب قبيلة بأخرى. القبيلة مخترقة امنياً تستطيع اجهزة الامن تحريك عناصرها داخلها حتى ضمد مصلحة القبيلة نفسها. القبيلة لازالت اسيرة الدور الذي رسم لها على الاقل منذ قيام الثورة: التوظيف السياسي لها حتى أصبح الارتزاق حرفة لكثير من الزعامات القبلية مما جعلهم اسرى لجهة التمويل وجعل منها عامل فوضى في البلاد.
واخيراً القبيلة ايضاً شماعة علقت عليها السلطة عجزها في بناء دولة المؤسسات والمواطنة المتساوية.