قبل الفاجعة

قبل الفاجعة - محمد الغباري

عائدات النفط انخفضت بنسبة كبيرة قاربت نصف الكمية المبيعة العام الماضي والفساد بإمكاناته المتواضعة، سيلتهم ما تبقى من هذه العائدات؛ ومن ثم فإن علينا انتظار سنوات عجاف أكثر ضراوة مما نعيش فيه اليوم.
منذ عقود والتحذيرات تتواصل من الداخل والخارج من خطورة غياب إصلاحات حقيقية والاعتماد على النفط كمصدر رئيس شبه وحيد للعملات الأجنبية، لكن ذلك لم يؤثر في شيء حتى واجهتنا الحقيقة بهذا التدهور المخيف في حياة الناس.
كان خبراء البنك الدولي قد أكدوا أكثر من مرة أن رهان اليمن ينبغي أن يقوم على الاستثمارات وتوفير مناخات ملائمة لها، وزاد هؤلاء في التفصيل، وقالوا إن الرأسمال المغترب هو ما يجب أن يعتمد عليه في إنجاح هذه المهمة في ظل بيئة مليئة بالتعقيدات التي تجعل غير اليمنيين يتجنبون خطر المغامرة بأموالهم في واقع لا يجيدون التعامل معه... ولكن ما تم هو أننا تغنينا، ليل نهار، بالاستثمارات والمميزات التي يتضمنها قانون الاستثمار، واستمر السطو على الممتلكات والإهمال المتعمد لهذه الشريحة الهامة. حين قدم عدد من أصحاب رؤوس الأموال المهاجرة على الاستثمار في البلاد صدموا بحجم التعقيدات التي واجهوها، وهالهم المساحة التي يحتلها اخطبوط الفساد في كل مفاصل الدولة ابتداءً من أجهزة السلطة التنفيذية ووصولاً الى أجهزة السلطة القضائية.
في الفلبين مثلاً عائدات الدولة من تحويلات المغتربين وصلت الى مليار دولار شهرياً حسب تقديرات المؤسسات الدولية. وفي المملكة المغربية تفوقت عائدات تحويلات المغتربين على عائدات تصدير الأسماك. وهي كذلك فيما يخص الإقتصاد السوري. أمّا في اليمن فالحال لا يسر فوزارة شؤون المغتربين هي الأقل موازنة بين وزارات البلاد كلها، ففي حين تنفق ملايين الدولارات على فتح ملحقيات ثقافية وصحية وإعلامية، لا تتجاوز موازنة وزارة يفترض انها مسؤولة عن نحو مليوني مغترب المائة مليون ريال.
المسألة لا تنتهي هنا، بل تتعداه الى النظرة الهامشية التي يرى منها صناع القرار وزارة شؤون المغتربين، والرغبة في أن تستمر كجهة للمشارعة لا تمتلك أي سلطة.
تخيلوا أن وزارة الخارجية ترفض بالمطلق أن توجه وزارة المغتربين رسالة الى أي سفير يمني بخصوص شكوى مغترب و«تلح إلحاحاً» على أن يتم التخاطب عبرها فقط، مع أن معظم شكاوى المغتربين هي من سوء أداء السفارات والعاملين فيها. والحال كذلك فيما يخص السطو على الممتلكات واستثمارات المغتربين، إذ أن الوزارة تتحول الى مراجع لدى الجهات الأمنية والقضائية من أجل التدخل وحماية ممتلكات هؤلاء الذين يفترض أن نراهن عليهم في عملية التنمية المنشودة. نعرف جيداً أن الكثير من السفارات والعاملين فيها لا هم لهم سوى الجد في توفير أي مبلغ خلال فترة عملهم في تلك البلدان ونثق أن دبلوماسيينا غير معنيين بالأنشطة المتعارف عليها في العالم وان المواطن اليمني قد يلجأ عند الضرورة الى جهة دولية أو إقليمية قبل أن يفكر في اللجوء الى سفارة بلده ومع هذا ما زلنا نرصد المليارات لهذه الوزارة التي أصبحت إقطاعية خاصة بأصحاب النقود.
ما تعيشه البلاد اليوم يتطلب مراجعة صادقة وتراجعاً عن الأخطاء الكبيرة التي ستكلفنا ثمناً باهضاً، نحدد من خلالها أولوياتنا ونجعل الكل شركاء في إدارة هذه السفينة قبل أن تحل بنا الفاجعة.
malghobariMail