الإرهاب من جديد

الإرهاب من جديد - محمد الغباري

الواضح أن الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها مهتمة جدا بملاحقة السياسيين والتنصت على الصحفيين ورصد تحركاتهم وسكناتهم. أما الإرهابيون فهؤلاء مطلوب تشكيل لجنة للحوار معهم, ونصحهم بعدم التهور في أي عمل, وإلا لما تمكن هؤلاء من ارتكاب الجريمة البشعة التي راح ضحيتها سبعة من السياح الأسبان عند عرش الملكة بلقيس.
مداهمة عبد الكريم الخيواني في غرفة نومه, وأخذ متعلقاته الشخصية والعائلية وإحضاره مخفورا أمام رئيس نيابة امن الدولة بملابسه الداخلية ومنع الزيارة عنه، عمل بطولي لا يضاهيه أي فعل آخر، عمل بطولي سيحسب، بلا شك، لتلك الأجهزة التي تسهر على أمن المواطنين وتحول دون وقوع الجريمة. كما أن النجاح الباهر في تسجيل مكالمات الصحفيين ومراقبة تحركات السياسيين ومعرفة ما يدور في مقايلهم، أمر يخدم الأمن القومي ويصد المخططات الخارجية ويحفظ أسرار الأمن القومي بما فيها من برامج تكنولوجية غاية في الدقة والحساسية.
منذ ما يزيد على أسبوع وغالبية المتابعين يعلمون أن قادة بارزين في جماعة القاعدة والفارين من سجن الأمن السياسي يسرحون ويمرحون بكامل الحرية وسط العاصمة، وقد تمكن هؤلاء من قتل فارس الريمي في منطقة “بيت بوس” ولم تستطع أجهزة التنصت وحمران العيون الوصول إليهم. كما أن بيانات التهديد والوعيد تصل تباعا إلى مختلف الصحف وقد نشر غالبها، ومع ذلك انتظرنا العمل البطولي لتلك الأجهزة، لكنه لم يأتٍ كالعادة، فقد وقعت الكارثة وما علينا إلا البحث عن الكيفية التي سوف نداوي بها الجراح العميقة التي سببتها تلك الجريمة الشنعاء على القطاع الاقتصادي وعلى علاقة العرب مع الشعوب الصديقة في العالم كالشعب الاسباني وحكومته.
حين دشنت حوادث اختطاف السياح والرعايا الأجانب في البلاد مطلع التسعينيات تعاملت السلطات مع القضية باستخفاف شديد وظهرت ثقافة سياحة الاختطاف. لكن هذه الظاهرة القبيحة عمدت بالدماء، كما هو حال كل إنجازاتنا في العام 1998 على يد الجهادي السابق “أبو الحسن المحضار”, حتى دمر قطاع السياحة قبل أن تبدأ مساع خجولة من الجهات المعنية لإعادة الحياة لهذا القطاع. لكن الفتوحات الجبارة للمجاميع المتطرفة كانت لهذه الجهود بالمرصاد، فقد تم التساهل مع أخطر الارهابيين وتهريبهم من سجن الأمن السياسي، كما تم تخفيف العقوبات عليهم أمام المحاكم بصورة ملفتة.
لكم أن تتصوروا كيف أن السلطات لدينا تقوم بسجن الكاتب محمد غزوان تسع سنوات، بدون حكم عقابي، بعد أن فشلت في استثماره ضد الحزب الاشتراكي عقب حرب صيف 1994 وتحت دعوى أنه استدان مبلغ مليون وستمائة ألف من شخص لا يعرفه منذ دخوله السجن وحتى مغادرته له بحكم إعسار. لكن السلطات ذاتها تتعامل بنعومة مفرطة مع المتشددين, وتفرح فرحا شديدا عندما لا تزيد عقوبة المتهمين في القضايا الإرهابية عن عامين, فهذا أحدهم قدمته لنا على أنه أخطر شخص في جماعة القاعدة وأنه الرجل الثاني فيها ومصدر تمويل عملياتها، وبعد ذلك لم تستطع أن تثبت عليه أي تهمة وحُكم عليه بعقوبة سنتين وعدة أشهر وقد أُفرج عنه فورا. وغيره كثير. بل إن جمال البدوي الذي صور كمتهم رئيس في الهجوم على المدمرة الأمريكية “كول”، لم تزد العقوبة التي حُكم بها عليه على عشر سنوات، في حين أن عبده شوعي أمضى في السجن سبعة عشر عاما بتهمة كاذبة وحكم قضى بألّا لا تزيد مدة العقوبة عن سبع سنوات.
malghobariMail