لدخول الامتحان القادم... على الدولة أن تذاكر

لدخول الامتحان القادم... على الدولة أن تذاكر - يحيى سعيد السادة

لا شك إن إقدام السلطة، قيادة وحكومة، على الإقرار بظاهرة الفساد من خلال تناول هذه الظاهرة في أكثر من مناسبة، هي خطوة شجاعة ومتقدمة نحو الخروج من قضبان الحلقات المفرغة التي أجبرت الدولة على الدوران فيها لسنين طويلة لم تجني خلالها سوى غثيان ودوار وطن بأكمله. تمكن الفساد والفاسدون خلال هذا الوقت من الزحف إلى كل مفاصل الحياة بحيث أصبح سمة من سماة واقعنا، بل هو الواقع المعيش بكل تفاصيله، فما من متابع لتصريحات الأخ الرئيس بإعلانه الحرب الشعواء على الفساد والفاسدين، وكذا تصريحات رئيس الوزراء في هذا الإطار إلا ويستشف بأن السلطة باتت تدرك خطورة الموقف من خلال ملامستها جمار الفوضى والعبث والنهب المتقدة يومياً في جسم الوطن بوتيرة متسارعة ومخيفة مخلفاً ورائها أضراراً جسيمة وتشوهات مزمنة يصعب تجميلها على المدرى المنظور. إلا أن هذا الادراك من قبل السلطة، وإن جاء متأخراً، غير كاف ما لم تتخذ خطوات عملية وعلى وجه السرعة لإيقاف هذا المد أولاً، ومن ثم إخماده والتخلص من دخانه. ما لم فإننا أمام جولات قادمة من جولات الفساد والإفساد يتجاوز فيه الفاسدون كل النقاط التي حددها الأخ الرئيس في أكثر من مناسبة، وكذا الخط الذي رسمه رئيس الحكومة عند توليه الوزارة. مما يجعلنا نتساءل فيما إذا تجاوز الفساد تلك الخطوط وتجرأ على الاستمرار في سرقة المال العام والخاص والسطو على أراضي الغير دون وجه حق والإقدام على تزوير ختومات وتوقيعات لشخصيات هامة في الدولة والتمادي في الغش والتلاعب بمشاريع البنية التحتية والإدمان في سرقة الأطفال وبيعهم لدول الجوار. ثم ماذا لو أمعن في تحويل التعليم برمته إلى غش وبيع شهادات في مختلف المراحل، وكذا الإصرار على محاربة وضع الرجل المناسب في المكانب المناسب ليسهل عليه الاستمرار في فساده على أرضية خصبة؟ كثيرة هي التساؤلات المشروعة التي لا تنتهي إلا بنهاية الفاسدين بينما الرد عليها مرهون بمدى جدية الدولة في خوض حرب لا هوادة فيها ضد أوكار اللصوص والعابثين بحيث يتم اجتثاثهم واجتثاث أوكارهم من جذورها. حينها يمكننا القول إن الدولة قد وضعت إحدى قدميها على أول الطريق نحو تحصين الوطن ضد أي اختراق. على اعتبار أن مكونات الفساد تسهم بفاعلية في تهيئة البيئة الملائمة لذلك، خاصة في ظل انتشار ظاهرة الفقر والبطالة وفي ظل تنامي الشعور بعدم المساواة في المواطنة والأهم من كذل ذلك قابلية المواطن الضعيف غير المحصن من الاختراقات، على المساومة بالثوابت الوطنية نتيجة عدم مصله مسبقاً بمضاد يكسبه المناعة الكافية ضد أي تفريط بالوطن أو بتلك الثوابت. تلك الخطوة إن بدأت بها الدولة بالفعل فإنها مقدمة لخطوات لا بد عليها من اتخاذها كون مشوار الفساد قد قطع شوطاً طويلاً في هذا المضمار، وعشعش في كل زاوية من زوايا الوطن تمكن خلاله من الإجهاز على كثير من مقومات النهوض بل وإجهاض تطلعات إبنائه نحو غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً ورخاء. خطوات الدول المطلوب ملامستها إن تمكنت من القضاء على الفساد ودفنه في مكب النفايات السامة تتمثل بتمكين الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية.
- حياة الموظف المتناغمة مع راتبه الشهري والذي يكفل له تغطية احتياجاته ومتطلباته من سكن وغذاء وعلاج وأعباء مدارس وتنقلات، بدلاً من مرتبه الحالي الذي لا يفي بواحة من هذه المتطلبات.
- حياة طفل فتح عينيه على كرسي الدراسة فتعلقت روحه بأرواح زملائه ومدرسيه، فجأة يجد نفسه خارج سربه، مجبرة إياه قسوة الظروف على التحليق وحيداً باحثاً عن لقمة عيش تسد جوعه، وربما جوع أبويه وإخوانه مسلماً بقهر الدنيا التي تُختزل في شيخوخته وإحباطه قبل أوانه.
- حياة مواطن آمن بالنظام والقانون كظوابط تلزمه وغيره بعدم تخطيها أو تجاوزها فإذا بتلك القوانين قد أعدت للتنكيل به كونه يمثل الحلقة الأضعف في تركيبة المجتمع.
هذه نماذج من الحياة التي ننشدها في شقها الإيجابي وهي موضع امتحان قادم للدولة فيما إذا أكتفت بالتصريحات والتي لا تزيد الفساد إلا مناعة وإصراراً على التمادي. أم العودة بالناس إلى الحياة الطبيعية: حياة المواطنة الحقة التي يسودها الهدوء والاستقرار وصون الكرامات.
إذاً الدولة أمام امتحان صعب ومعقد كون أسئلة هذا الامتحان المتعددة هي نتاج تراكمات الواقع المعيش، ناهيك عن إفرازات المحطات الانتخابية السابقة، وما تخللتهامن وعود بنى عليها المواطن مستقبله، ونسج من خيوطها أحلامه الوردية. إذ برغم نجاح السلطة في تخطي جميع المنافذ الانتخابية السابقة وبالأخص الانتخابية البرلمانية 2003م التي كانت محل اختبار وتقييم لقدرات المؤتمر بدخوله العراك دون تحالفات أعتاد عليها، إلا أن المرحلة القادمة لإنتخابات 2009م مختلفة تماماً كون كثير من المتغيرات والمستجدات على الساحة، والتي من أهمها الأوضاع المعيشية المتفاقمة، ستلعب دوراً محرجاً للسلطة خاصة وأن نسبة عالية من المصوتين في الانتخابات الرئاسية قد وضعوا ثقلهم في كفة الأخ الرئيس، وسعد بسعادته أكثر من 90٪_ من مرشحي المجالس المحلية آملاً في أن تتحسن أوضاعهم البائسة.
لذا فإن الأيام القادمة حبلى بكثير من المفاجآت خاصة إذا ما استمر الوضع المعيشي في عده التنازلي مقابل استمرار بورصة الفساد في الإرتفاع. حيث لم يبق على الانتخابات البرلمانية غير ثلث الفترة المحددة. سنرى خلال هذه الفترة ما هي الملخصات والمراجع التي ستعتمد عليها السلطة في مذاكرتها لاجتياز الامتحان القادم والذي تنصب أسئلته على الفساد والفاسدين والأسباب التي تحول دون استئصالهما في سبيل ان يحيا شعب بأكمله بمختلف أطيافه وتوجهاته في أجواء من المحبة والإخاء والعدل والمساواة.