دمامل وقروح.. في الصحة العامة؟!

دمامل وقروح.. في الصحة العامة؟! - محمد العلائي

  ألنا أن نتجول في مدونة الصحة العامة اللا تكف عن مواراة دماملها بفعل سدنة إعلام احترف بما يكفي التدليس والتزييف بفجاجة قميئة ؟ ..
 
الصحة العامة وهي كما يتراءى لي القطاع الأكثر ملامسة للحياة وفي اليمن زيادة على ذلك الأكثر – إيغالا في الفساد " هذا في حال سلمنا جدلاً أنها مؤسسة - فقط - يعتورها خلل إداري .. بما هو نهب محسوبية إهمال .. إلى آخره " .. غير أني عند ذات نفسي لا اعتقد أنها كذلك كما في غيرها من قطاعات الدولة .. التي لا تعاني فساداً بقدر ما تعاني فشلاً  ناصعا .. هو الآتي رأسياً من (( أعلى إلى أسفل ))  ..
 
وليكن .. فلنخض بصورة طفيفة على أرتال مدببة .. وعلينا إذا سوق قدر ما ينبغي من البثور والهالات الشائهة المبطنة والمواراة عن عمد .

 
* جنود مجانيون
 
 
 
.. (( دعتي بداية أقول أنني لا أعمل إلا لحساب هذا المواطن الطيب .. مع ذلك بجوز لي أن أرغي ولو للحظة في وجه اللاعدالة .. أنا طبيب خريج 83 بك طب عام كنت أتقاضى حينذاك 1700$ شهريا مقابل عملي في مستشفى الثورة العام , لفترة ثم غادرت الوطن لدراسة الماجستير .. عدت إلى ذات المستشفى لأعمل ولكن هذه المرة تراجع أجري إلى نحو ال 700$ لا غير .. سافرت للمرة الثانية لإعداد الدكتوراه و ها قد أكملتها وقفلت راجعاً .. عدا أنني رقيت على الطريقة اليمنية الخالصة ليهبط راتبي  الشهري إلى ال 100$ أو تزيد قليلاً )) .. يبتسم الدكتور/ عبد الحميد أبو حاتم كما لو انه على حافة البكاء.. يبتلع ما استطاع من لعاب.. يبح صوته .. بقلب كفة في الريح الهابة بالدمار .. يداري الدموع بابتسامة جافة ومخيلته تعتلج بكوميديا سوداء – كرنفال من المظلوميات ..
 
 – شاب وهو يعرف جيداً كم هو مغموط .. مهان .. مكدس.. فروة رأسه اعتراها البياض .. وأدمة قلبه أعياها الوجع الموارب ..
 
((يا أخي - يواصل أبو حاتم -  بنود الثورة نصت على إلغاء الفوارق والامتيازات بين الطبقات والفئات .. كيف سيكون الحال والتمييز مؤطر في أوساط فئة مهنية واحدة , دكتور يتقاضى 1000$ والآخر ممن يحمل درجة علمية أعلى لا يحصل سوى 200$ )) .
 
 كنت وإذا أنا استمع إليه أعيش مشهداً كابوسيا مزعجاً حد الصراخ .. وددت لو أستطيع البكاء ..
 
كان علي أن أتفصد قهراً وألماً..
 
 فما سبق لم يكن مطلقاً تخييل ميثافيزيقي بهيئة جادة , إنما هو واقع يجوز الحاقه بفصيلة الأساطير وألفانتازيا الباهتة ..
 
من ال 42 مليار المرصودة تحت بند ميزانية الصحة للعام الواحد تذهب فقط 1-2 مليار كأجور للكادر البشري أي ما يعادل 4% في حين يفترض أن يأخذ الكادر ما نسبته 30-50% من الإجمالي العام للميزانية إلا أن عقليات جحيمية آبدة أرادتها هكذا.
 
أطباء يتقاضون من 30-40 ألف ريال يمني من حملة (ألبك – الماجستير – الدكتوراه) يعيشون وضعية شاقة .. يواجهون متاعب ومشاكل – يكابدون في قعر الميدان بعد سنوات دراسة علمية بالغة الدقة والصعوبة زائداً صرفيات هذه الدراسة لشراء الكتب والمراجع التي تعضد تحصيلهم وتوثق عطائهم العملي لاحقاً.
 
منحتهم إستراتيجية المرتبات والأجور 10000 ريال زيادة ، مسوية إياهم ببقية موظفي قطاعات الدولة , لم تراع طبيعة المهنة والمخاطر التي تحيط بها.
 
الأمر لا يستحق كثير عناء لنكتشف سخط عارم احتقان مكتمل النضج , تأهب متعقل لانتزاع الحقوق

 
* أنات مفزعة
 
صادفتنا (أنات مفزعة) تصعد من قيعان ملتهبة ..
 
طبيبة عملت 11 سنة تقايض مديرة مستشفى حكومي حرق مؤهلاتها مقابل أن تهبها امتيازات سكرتيرها ذو المؤهل الواطي الذي بحسب هذه الطبية لا يتعدى الإعدادية أو الثانوية في أحسن الأحوال ويمتلك سيارة مع راتب مجز ونفوذ طام .
 
زمليتها تجأر بالشكوى هي الأخرى مما يلحق بهن إذا ما تململت واحدة منهن لإبداء امتعاض أو حتى اعتراض مع البهارات .. فهن في النهاية لسن أكثر من " حمير للشقاء " كما ينعتهن مديرهن في القسم.
 
آخر , وقبل عام  , طموح به قرار نزق من منصبه لأنه بباسطة وقف محاذٍ لزملاءه في إضرابهم الساخط للمطالبة برفع أجور الكادر البشري إلى المعقول والمنطقي ليس إلا !
 
فما من خرافه تذكر فيما يطلبون .. المسألة فقط تحتاج إلى " حسبة صح " .
 
هنا أيضاً الصمت تكدس .. تورم .. حتى غدا بالونة آيلة للانفثاء ..
 
في وسط الأطباء .. عربد العبث لحساب الحقراء..
 
هم بالتحديد آلات منتجة .. ((البقبقة لهم .. والبيضة إلى أفواه الجرذان)) ..
 
20% مما يوردون لو أضيفت إلى أجورهم سيبلغ راتب الطبيب الخريج 90 ألف ريال و100 ألف ريال للاستشاري بحسب وثائق نقابة الأطباء .. وبالطبع ليس هذا أقصى ما يتمنون .. فهم يطمحون رفعهم إلى مصاف القضاة وأساتذة الجامعات كما في بيان صادر عنهم الأسبوع الفائت معللين هذا الطموح بطبيعة المهنة وما يلفها من مخاوف العدوى وتبعاتها فحوالي 20% من عاملي القطاع الصحي مصابون بفيروس الكبد (B.C  ) من غير المخاطر المرضية الأخرى التي تتهدد حياة الطبيب ((السل.. التهاب السحايا الدماغية وغيرها )) ..
 
مع كل ذلك إلا أنهم لا يعوزهم نص قانوني برقم (6) لسنة 2002م يلزم الحكومة باعتماد وإصدار كادر الأطباء والصيادلة خلال ستة أشهر .. ما يحتاجونه هو احتشاد عرمرم لإعطاء نظام معتوه جرعة الارتحال بعيداً عن طريقهم .. عن أشواقهم..
 
- أداعي إذا لنصوص لا تقرأ حتى..؟
 
- أم الأدعى الانفلات عن معاطف تندس بين ثناياها زعانف أيثار السلامة .. التي تحيل إلى شيطان أخرس ليس أكثر؟
 
حسناً .. دمامل وقروح الصحة العامة غير قابلة للاندمال كما يبدوا .. لأنها تنزو بجوانبها ((مناكيش)) حادة سامة ..

 
* أسواق غاصة بالفوضى
 
 
 
" أسواق من الفوضى " أمين نقابة الأطباء واصفاً المشافي الحكومية في العاصمة .. ويضيف بأن كل مبانيها هي هبات من دول صديقة وشقيقة فلم تبن الحكومة واحداً منها .. لأن مخصص الاستثمار المحدد في تفصيلات ميزانية الصحة غير ملموس .
 
مستشفى حكومي في العاصمة يستعير خيوط الجراحة من المحويت .. محاليل الفحوصات معدومة وفوق هذا تتربع إدارته إمبراطورة تلعب بالممرضات شطرنج .. أو بالأحرى ((تمارس بهن لعبة الطاولة .. أو البيسبول)).
 
في الأرياف ما يزال الاستطباب (عيب) ((والأمراض عليها أن تشفى لوحدها وتزول)) , قبل عقود كانت البوادي في الشقيقة السعودية على هذه الشاكلة وبإدارة راشدة تجاوزها .
 
يرد في رواية ل أحمد أبو دهمان - السعودي الأصل _ بالفرنسية التقاطاً دقيقاً لطبيعة الحياة في  جبال عسير جنوب المملكة – كفضاء مكاني للرواية أن ((المرضى في القرية هم أولئك الذين لم يعد في إمكانهم أن يتحركوا مطلقاً .. أو الذين يفقدون وعيهم .. لم يكن من حق أي منا أن يشتكي أو أن يبدي ألماً مهما كان الألم .. حتى النساء أثناء الوضع .. كانت كل منهن تضع لوحدها والولادة لم تكن إلا لحظة عابرة بين الحقل ومشاغل البيت .. وكنا بالفعل نتعامل مع المرض كما تفعل النباتات والأشجار والحيوانات .. مع فارق بسيط .. هو أننا بالغناء نعالج أنفسنا )).
 
أقسم , أن قرى عديدة لم تبارح هذه الحالة .. يحدث أن تضع النساء وهن يجمعن الأعشاب في الجبال .. أو أن يجهضن بفعل الأثقال التي يحملنها .. أو يمتن بعسر المخاض دون أن يعثروا على سيارة تنقلهم إلى المدينة وإن وجدوها فوعورة الطريق كفيلة بإماتة ما تبقى من نبض ..
 
وطبقاً لإحصاءات أفرزتها نقابة الأطباء فإن 80% من السكان يعيشون في الأرياف و20% مدنيون , إلا أن المعادلة مقلوبة ف 90% من الخدمات الصحية مركزة في المدن و10% فقط هي حصة القرويين.
 
في مطلق الأحوال ((الطبيب والمستشفى )) اليمني – ركني العملية الصحية – مقوسين بالغمط والإهمال .. فالطبيب من جهته طافحاً بهموم البقاء حياً .. وإن على حساب مهنيته وجودة أداءه .. لذا لا غرابة من تحول عيادات ومصحات خاصة وعامة إلى حوانيت للاسترزاق والإعتياش .. والمستشفى من ناحية أخرى غائراً بتلالل من الفوضى والعبثية والإهمال آتية على صهوة إدارة حكومية ساذجة بلهاء.!!