كذبة الديمقراطية في بلادنا!

كذبة الديمقراطية في بلادنا! - عبد الواحد الشرفي

درجت السلطة على تسمية يوم السابع والعشرين من ابريل "يوم الديمقراطية" في إشارة إلى أول تجربة انتخابية تعددية بعد تحقيق الوحدة المباركة والتي استطاعت الأحزاب السياسية وتحديداً المعارضة منها حصد عدد من المقاعد في مجلس النواب في ظل وجود توازن سياسي كان يسمح لها بهامش من الحرية في الحركة والنشاط وبدأ ذلك الهامش في انحسار وتراجع مستمر بعد اختلال توازن القوى السياسية عقب أحداث حرب صيف 94م.
فمساحة تحرك المعارضة نجدها اليوم ضاقت وانعدمت إمكانية تطورها، وتراجعت فرص تواجدها في الشارع وتمثيلها في البرلمان؛ فأكبر أحزاب المعارضة التجمع اليمني للإصلاح حصل في انتخابات عام93م على (63) مقعداً وتراجع في انتخابات عام2003م إلى (44) مقعداً وكذلك الحزب الاشتراكي هبطت نسبة تمثيله إلى 7مقاعد من أصل (56) مقعد حصل عليها في انتخابات 93م، والبعث من سبعة مقاعد إلى مقعدين بدعم من السلطة!
ذلك التراجع بفعل هيمنة السلطة على الحياة السياسية، وتوظيف إمكانية الدولة والوظيفة العامة في خدمة حزبها الحاكم، وممارسة أنواع من الإرهاب ضد المعارضين السياسيين ومعاقبتهم على خياراتهم الديمقراطية ولعل حقل التربية والتعليم نموذجا لتلك الممارسات الخارجة على القانون؛ فلا يزال موجهو أمانة العاصمة من المنتمين للأحزاب المعارضة ينتظرون حكم القضاء غير المستقل لإنصافهم بعد فشل جهودهم الديمقراطية المتمثلة في التظاهر والاعتصام وكانوا ضحية تصديقهم بنجاح تلك الأساليب في هذا البلد التي لا تلقي السلطة لها بالاً فضلاً عن ترك أحزابهم (المعارضة) لهم ليلاقوا إلى مصيرهم المحتوم من إلغاء حقوقهم المكتسبة.
وعوداً على بدء فسياسة الإقصاء والتضييق والإرهاب التي تنتهجها السلطة لاتقتصر على المعارضين السياسيين، بل تطال المستقلين والصحفيين؛ ونصيب رؤساء وكتاب صحف: الثوري والوسط، والشورى (المغتصبة) والوحدوي، هو الأوفر من بين الصحف الحزبية والمستقلة الأخرى!
الهجمة على الحريات تزداد يوماً بعد يوم والهامش الديمقراطي المتاح في انحسار مستمر وتتعرض التعددية للتقويض؛ فبالأمس القريب تعرض اتحاد القوى الشعبية لمؤامرة أدت إلى احتلال مقره وإيقاف صحيفته وحجب موقعها، واليوم قررت الحكومة ممثلة بلجنة شؤون الأحزاب إلغاء حزب الحق وحلة بنا على رسالة من أمينه العام السابق في مخالفة صريحة لنظامه الداخلي وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية وأصبحت لجنة شؤون الأحزاب أداة بيد السلطة لتهديد أحزاب المعارضة وابتزازها، فضلا عن أنها ساهمت في إفساد الحياة السياسية من خلال إعطاء تصاريح شرعية لممارسة النشاط السياسي لأحزاب مفرخة مدعومة من السلطة، وتشجيع المتساقطين؛ في عملية تفريخ أحزاب المعارضة، كما حصل للناصريين والبعثيين واتحاد القوى الشعبية والأحزاب المفرخة تعيش حالة من اللا وجود.
وما يزيد الطين بله أن السلطة تحضر لتعديل قانوني يخول للجنة شؤون الأحزاب حق إلغاء أي حزب سياسي لا يدخل الانتخابات العامة مرتين أو عدم حصوله على نسبة1% من إجمالي عدد أصوات الناخبين سواء في الانتخابات النيابية أو المحلية. في الوقت الذي تطالب الأحزاب والمنظمات المعنية بتطوير الديمقراطية والتعددية السياسية إلغاء لجنة شؤون الأحزاب، فضلا عن إلغاء القيود الحالية في قانون الأحزاب رقم 66 لسنة 1991م المتعلقة بإنشاء الأحزاب وتكوينها لإفساح المجال لتأسيس أحزاب سياسية.
والسلطة تريد بهذا التشريع الجديد تضييق الهامش الديمقراطي، والتخلص التدريجي من الأحزاب المناوئة لسياساتها الفاشلة بعد أن حاولت استنساخها، وقطع الطريق أمام شخصيات سياسية أعلنت مؤخراً عن نيتها تأسيس أحزاب سياسية، ومحاولة العودة للعهد الشمولي السابق.
أحزاب المعارضة الحقيقية هي المعنية بالنضال لإسقاط هذه المشاريع الإلغائية التي تستهدف وجودها وتلتف على حقوقها الديمقراطية بتشريعات تكرس الهيمنة والاستئثار بالسلطة كما أن عليها رفع سقف مطالبها بتسوية أرض الملعب السياسي وإعادة النظر في النظام الانتخابي وبعض التشريعات التي تكبل الحياة السياسية وتحد من حرية الرأي والتعبير ولا تتيح فرص المشاركة المتكافئة.
وبذلك ربما تستطيع المعارضة أن تحول التعددية والديمقراطية من مجرد أداة من أدوات اللعبة السياسية التي يتجمل بها النظام إلى واقع يفضي إلى تداول سلمي للسلطة يبني الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون والعدل والمساواة والديمقراطية.