عندما يكون الرئيس الضمانة الوحيدة لليمن أمام العالم

عندما يكون الرئيس الضمانة الوحيدة لليمن أمام العالم - احمد الزرقة

سؤال يتبادر إلى الأذهان كلما مرت فعالية كبيرة تتطلب تعهدات من اليمن من أجل منحها تسهيلات أو قروضاً أو مساعدات أو حتى تعاونا فنيا واستخباراتيا: هل يعرف العالم الخارجي في اليمن شخصا غير علي عبد الله صالح؟ ما يدفعني لهذا التساؤل هو الحضور القوي للرئيس صالح، يقابله غياب وخفوت لأي حضور يمني آخر. والأمر يتكرر على مستوى المؤسسة الرسمية والأحزاب اليمنية المعارضة، وفي الصورة يوجد رئيس لديه من الحنكة والذكاء والخبرة السياسية ما يفوق جميع اللاعبين السياسيين، وهو نفسه لديه تاريخ طويل من الاحتواء لشخصيات سياسية: قبلية وحزبية وعسكرية. وهي قدرات عرف بها الرئيس صالح منذ مراحل حياته العسكرية الأولى. وهو مفاوض بارع ويشهد له حتى خصومه بالتسامح والتجاوز عن الهنات. وهو رجل دولة. لكن تلك المزايا التي يتمتع بها الرجل كان لها أثرها السلبي على الحياة السياسية على صعيد المؤسسات الرسمية اليمنية، التي تغيب كثيرا ولا يثق بها المواطن، اليمني ويتعامل الخارج معها بسلبية أكبر.
وكلما زاد حضور الرئيس تراجع حضور المؤسسات، وخفت أداؤها، حتى صار ذلك الخفوت من الصفات الثابتة للمؤسسة الرسمية. حتى أحزاب المعارضة يبدو أداؤها باهتا على صعيد العلاقات الدولية ومع المنظمات التي غالبا ما تفضل التعامل والعمل مع المعارضة إلا في الحالة اليمنية، نجد تلك المؤسسات تسعى للتعامل مباشرة مع رأس الدولة متجاوزة الأجهزة المختلفة للدولة، ويبدو في الإطار رأس بلا جسد أو رأس ضخم وجسد ضعيف، لا يقوى في أحيان كثيرة على تحمل ذلك الرأس بل يظل مشدودا إليه طوال الوقت.
وفي الدولة اليمنية المعاصرة كان حضور الرئيس صالح طاغيا على الساحتين المحلية والدولية. فداخليا عند عجز المؤسسات الرسمية اليمنية عن اتخاذ القرار كان الرئيس دائما ما يكون هو صاحب المبادرة. وعندما تتردد الجهات الرسمية يتخذ هو قرارات حاسمة. وفي هذا المجال يحضر موقف الرئيس الحاسم من قضية الوحدة اليمنية الذي قابله تردد وتمنع المؤسسة الرسمية في الجزء الشمالي من اليمن قبل مايو 1990م عندما تعالت الأصوات المعارضة للوحدة اليمنية في مجلس الشورى قبل ساعات من مغادرة الرئيس صالح إلى عدن لتوقيع اتفاقية الوحدة، رد بحزم على تلك الأصوات وقال انه ذاهب إلى عدن ومن أراد الحضور فليحضر ومن أراد أن يتغيب فله الاختيار. كما أن الرئيس صالح هو الوجه اليمني الأكثر تعاملا مع الخارج "خاصة بعد إزاحة الدكتور الارياني مهندس العلاقات اليمنية – الأمريكية". كما انه الوجه الأكثر قبولا لدى المؤسسات الدولية والمانحين الدوليين. ويذكر الجميع مشكلة اليمن مع البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذين قررا على إثرها خفض المساعدات والقروض لليمن. حينها توجه الرئيس صالح بنفسه إلى واشنطن للتفاوض والتباحث مع تلك المؤسستين. كما أن الرئيس صالح وفي نفس تلك الزيارة مر بالصين والتقى كبار المستثمرين الصينيين وتعهد لهم شخصيا بمنحهم التسهيلات والحماية اللازمة لاستثماراتهم. كما زار بنفسه عدداً من الشركات والمصانع الصينية العاملة في مجال الطاقة الكهربائية للتعاقد معها بشأن محطات كهربائية إسعافية. وقبلها كان الرئيس هو أول رئيس يزور مقر الاتحاد الأوروبي، في حالة هي الأغرب في تاريخ الزيارات الرسمية وعدها البعض خطأ في المراسيم، لكنها كانت خطوة يبحث فيها الرجل عن فرصة لتسويق اليمن لدى الاتحاد الأوروبي الذي ما زال اليمن غير مستفيد من إمكانياته في علاقته معه. الرئيس صالح يعرف جيدا كيف يروج لنفسه واستطاع أن يجنب اليمن الكثير من العداوات مع الدول الكبرى بل واستطاع التحول من عدو إلى حليف استراتيجي لأمريكا خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. الرئيس صالح لا يتحرج من الذهاب إلى مقر قناة الجزيرة وأن يدخل استديو الأخبار ليكون ضيفا مفاجئا على إحدى نشرات أخبار "الجزيرة"، هكذا بدون مقدمات، وسيستغل "الجزيرة" ليوصل رسالة لأصدقائه الأمريكان ولجيرانه الأشقاء في الخليج والمنطقة. وفي ذات القناة سيقول لمعارضيه في الداخل وحلفائه السابقين أنهم كانوا مجرد "كروت استخدمها في فترات سابقة وأن صلاحيتهم انتهت " وسيقول ذلك بدون أدنى حرج.
مؤتمرات: لاهاي1995، وبروكسل 1996، وباريس 2002، ولندن 2006 م للمانحين لدعم اليمن كان رئيس الوزراء الأسبق والأمين العام الحالي للحزب الحاكم يظهر في الصورة الى جانب الرئيس صالح وكان ينظر إليه كمنسق لها، وهو رجل يجيد التنظير وبناء العلاقات أفضل من غيره. لكن لمساته دوما كانت بحاجة إلى خبير بحجم الرئيس صالح، صاحب اللمسة الأخيرة !!! كانت تعهدات باجمال منقوصة دوما وغير مقبولة إذا لم يصدر تأييد لها من صاحب الفخامة.
ودوما كان الرئيس صالح القبلة الأولى للمستثمرين والوفود الأمنية والعسكرية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ووفود الهلال والصليب الأحمر والإعلاميين الأجانب. وغالبا ما كان مكتبه في "العرضي" أو في القصر الجمهوري، يستقبل خليطا عجيبا من الناس بشكل يومي، ولا يرد أحداً من بابه، ويخرج الجميع مرتاحين وهم يتذكرون الرئيس اللطيف والمتحمس لكل ما يطرحونه، صاحب النكتة والابتسامة العريضة، ويردد المستثمرون دوما على وجه الخصوص أن الرئيس قد تعهد بتوفير المناخات الملائمة لاستثماراتهم؛ لكن سرعان ما يدركون أن تلك الوعود تتلاشى منذ صعودهم الدرجة الاولى من بوابة الهيئة العامة للاستثمار.
حضور الرئيس مؤخرا لافتتاح مؤتمر الفرص الاستثمارية أعطى المؤتمر زخما وأرسل رسالة قوية شجعت العديد من الشركات على المضي قدما في التنافس على الفرص الاستثمارية المعروضة في المؤتمر. لكن تلك التعهدات ما زالت بحاجة لتذليل العديد من الصعاب والتي يأتي على رأسها المتنفذون والبيروقراطية وبعض المقربين من الرئيس نفسه. ولعل الرسالة التي بعثها الرئيس قبل يومين من مؤتمر الفرص التي تمثلت بإقالة أحد القادة العسكريين بسبب يتعلق بالأراضي وسوء استخدام سلطاته، تعطي مؤشرا على أن هناك نوايا جادة لإصلاح الأوضاع.
الرئيس صالح غالبا ما يفوض صلاحيات للعديد من المسؤولين والقريبين منه لكنه غالبا ما يصاب بخيبات أمل متعددة ومتلاحقة منهم. وهو يجيد اختيار الأشخاص ويعرف قدر كل الناس. لكن يبدو أنه يتعرض في بعض الأحيان لتشويش عند ذلك الاختيار.
ليس من مصلحة الرئيس أو من مصلحة البلد بقاء الحال كما هو عليه، بل يجب التفكير بجدية في بناء المؤسسات الرسمية وإعطائها صلاحيات كاملة، وتفعيل القضاء ومبدأ الحساب والعقاب، بحيث يتساوى الجميع أمام القانون. وذلك – أولا- من اجل الحفاظ على قوة الرئيس وصفاء ذهنه وتفرغه لتنفيذ ما وعد به ناخبيه، وثانيا من أجل إرساء دعائم الدولة اليمنية الحديثة.
alzorqa