عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية:(الحلقة الرابعة عشر)

عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية:(الحلقة الرابعة عشر)

في هذه الحلقة يتحدث الأستاذ عبد الحميد الشعبي عن تجربته في الشمال من خلال عمله في الأمن وعن علاقاته ولقاءاته بعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، أبرزها أحمد محمد النعمان ومحمد علي عثمان ومحمد المطري وسلطان القرشي وعبدالله الحمدي وعيسى محمد سيف وجارالله عمر وآخرون.

حوار: سامي غالب- باسم الشعبي
> بعد انتهاء المؤتمر الثاني للجبهة القومية الذي انعقد في جبلة وبالتحديد في 16/6/66 قدمتَ طلبا لنائب رئيس الجمهورية العربية اليمنية محمد علي عثمان بشأن الالتحاق بالأمن في تعز، لماذا؟
- كانت مخابرات صلاح نصر تعول كثيرا على مؤتمر جبلة لانتزاع موافقة بالدمج القسري الذي فرضته قهرا بهدف وأد الثورة، وكانت الأغلبية ضد الدمج، ويرفضونه، بل ويطالبون بالانسحاب الفوري من جبهة التحرير.
ولما فشلت مخابرات صلاح نصر في انتزاع الموافقة على الدمج، واتضح لها أن موقفي كان مع تلك الأغلبية الرافضة لإملاءاتها، بالإضافة إلى أن المؤتمر أعاد انتخاب قحطان محمد الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي في القيادة العامة على الرغم من أنهما لم يحضرا المؤتمر، حيث كانا محتجزين في القاهرة، وعقابا لنا اتخذ جهاز مخابرات صلاح نصر قرارا بقطع راتبي الشهري، وتلاه قطع راتب محمد علي هيثم، ثم قطع كل الرواتب التي كانت تدفع للمتفرغين ولجيش التحرير، ووقف إمداد الجبهة القومية بالأسلحة.
كل هذا اضطرني للالتحاق بوزارة الداخلية في الجمهورية العربية اليمنية، وقد شجعني في تقديم الطلب الرائد سلطان أمين القرشي، زميل الدراسة في كلية الشرطة في مصر ونائب مدير المخابرات في لواء تعز.
> هل قُبل طلبك؟
- نعم، وأصدر السيد محمد علي عثمان قرارا في اليوم نفسه بتعيني نائبا لمدير المباحث الجنائية بأمن لواء تعز، إلا أن مخابرات صلاح نصر التي كانت مهيمنة على كل صغيرة وكبيرة اعترضت على تعيني.
> كيف عرفت ذلك؟
- هناك مراسلات جرت بين وزارة الداخلية بصنعاء ومدير أمن لواء تعز محمد المطري، اتضح من خلالها عدم رضا جهاز مخابرات صلاح نصر عن تعيني في أمن لواء تعز.
> هذا يعني أنهم رفضوا قرار نائب رئيس الجمهورية؟
- هذا ما كشفته المراسلات. وكانوا يرون أنه لا يحق لنائب رئيس الجمهورية تعين أي موظف، فهذا من حقهم وحدهم، يعينون من يرون فيه الأهلية لتنفيذ ما يريدون.
> تشير رسالة وجهها مدير أمن لواء تعز محمد المطري في تاريخ 7/ 7/ 66 إلى وزير الداخلية وحملتها أنت كما يتضح، طالبه فيها بالاطلاع على شهاداتك واتخاذ الإجراءات اللازمة، ومن ثم إعادتك للخدمة في أمن تعز أسوة بزملائك الرائد عبد الواحد السياغي والرائد سلطان القرشي، هل طلبت وزارة الداخلية الاطلاع على مؤهلاتك؟ وهل تم إعادتك إلى للعمل في أمن تعز؟
- أصر جهاز مخابرات صلاح نصر على ضرورة وصولي إلى وزارة الداخلية بصنعاء، وقد سافرت إلى صنعاء، وهناك التقيت بمستشار وزارة الداخلية، وكان أحد ضباط مخابرات صلاح نصر، فبادرني بالقول: "من أي منطقة أنت؟". قلت له: أنا من اليمن.فقال أريد أعرف من أي منطقة تحديدا؟وبعد نقاش قلت له أنا من سلطنة لحج جنوب اليمن. فقال: "لماذا لم تلتحق بالعمل هناك؟". فرددت عليه بقولي: لو كنت أريد الالتحاق لالتحقت لكني فضلت أن أخدم وطني من خلال الثورة المسلحة بقيادة الجبهة القومية، وعندما فرضت أجهزت مخابرات صلاح نصر الاندماج القسري يوم 13 يناير 66، وأوقفت المساعدات التي أمر بتقديمها للجبهة القومية الزعيم جمال عبدالناصر، اضطررت للالتحاق بالأمن في وزارة الداخلية بالجمهورية العربية اليمنية. فقال: "انتظر خارج المكتب!".
بعد دقائق معدودات جاء من يخبرني أنه سيتم تعيني مديرا لأمن لواء إب. فقلت له: موافق. ثم عاد مرة أخرى ليبلغني أنه سيتم تعييني مديرا لأمن البيضاء. فقلت له: موافق. ثم عاد أخيرا وقال لي: "سيتم تعيينك مديرا لأمن ذمار وبرتبة ملازم أولـ". وكان ينتظر مني الإجابة بعدم الموافقة، لكني رددت عليه بالموافقة، وفي أي منطقة تريدونها وبأي رتبه حتى جندي.
بعدها جاء جارالله عمر ومعه ضباط آخرون كانوا يعملون في وزارة الداخلية، وقالوا لي: "نحن سنقوم بدفع فارق الراتب (يقصدون راتب رائد) المهم وافق!". فقلت لهم: قد وافقت ولا تهمني الدرجة ولا الراتب، ما يهمني هو خدمة وطني.
> هذا يعني أنك لم تقابل وزير الداخلية؟
- لم أقابل وزير الداخلية، ففي تلك الفترة كانت مخابرات صلاح نصر هي التي تحكم شمال اليمن.
> والرسالة المرسلة من محمد المطري مدير أمن تعز من سلمتها؟
- لا أتذكر لمن سلمتها، كل ما أتذكره هو أني قابلت مستشار وزارة الداخلية.
> هناك أيضا رسالة موجهة من محمد المطري إلى مدير الشرطة العامة المقدم محمد مرغم بالتاريخ نفسه الذي حملته الرسالة الموجهة لوزير الداخلية، وحملت كما يتضح المضمون نفسه، حيث أثنى فيها على إخلاصك وكفاءتك في تحمل المسؤولية وحاجة إدارة أمن تعز لخدماتك، وطالبه فيها بإكمال المعاملة وإعادتك للعمل بتعز، هل التقيت بمحمد مرغم؟ وهل أطلع على الرسالة؟
- لم ألتق المقدم محمد مرغم، ولا أدري إن كان اطلع على الرسالة أم لا، ولا أتذكر أيضا لمن سلمتها.
> طيب، هل عُينت مديرا لأمن ذمار؟
- نعم.
> متى كان ذلك؟
- في 23/ 7/ 66، وذلك خلفا للنقيب محمد الوجرة.
> من الذي أصدر قرار التعين؟
- مدير عام الشرطة ومدير الأمن العام.
> الفترة التي قضيتها في أمن تعز كانت قصيرة كما يبدو؟
- قصيرة طبعا، من تاريخ 16/ 6/ 66 إلى أن تم تعييني مديرا لأمن ذمار في 23/ 7/ 66، إلا أن تلك الأيام كانت غير عادية وكان اليوم الواحد منها بألف سنة.
> لماذا؟
- كان هناك إرهاب تمارسه مخابرات صلاح نصر.
> حتى على الضباط!؟
- نعم، وعلى كل الذين يرفضون توجيهاتها من أعلى مسؤول إلى أصغر موظف.
> كيف تفسر رفض تعيينك في أمن تعز؟
- مخابرات صلاح نصر كانت تهيمن على كل شيء، وهي التي كانت تحكم اليمن، وكل التعيينات تتم من قبلها. وأتذكر أن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر تطرق لذلك في مقابلة مع إحدى الصحف. ووصل الأمر بمخابرات صلاح نصركما هو معلوم إلى سجن رئيس الوزراء الفريق حسن العمري وعدد من القيادات اليمنية في السجن الحربي بمصر في سبتمبر 66.
> هل كانت المخابرات تخشى من أن تعيينك في أمن تعز قد يسهم في تقديم الدعم للجبهة القومية، خصوصا وأنها قد أوقفت عنها الدعم بعد عملية الدمج؟
- قد يكون ذلك سببا لرفض تعييني في أمن تعز، لكن السبب الرئيسي هو تدبير محاولة لاغتيالي، وقد رأت مخابرات صلاح نصر أن تعييني في ذمار ربما يسهل المهمة.
> قلت إنك التقيت جارالله عمر في وزارة الداخلية بصنعاء، هل تصرف بايجابية تجاهك؟ وهل كانت تلك المرة الأولى التي تعرفت فيها إليه؟
- نعم، تصرف بايجابية، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي تعرفت فيها عليه.
> هل كنت تعرف أنه في حركة القومين العرب؟
- في تلك الفترة لم أكن أعرف، لأنه كان حديث التخرج من كلية الشرطة ولم أسال عن انتمائه، وتعاملت معه بصفته ضابطا في وزارة الداخلية، فضلا على أن علاقاتي كانت محصورة في قيادة الحركة في الشمال.
> هل قبلت المقترح الذي قدمه جارالله عمر ومن كانوا معه؟
- أخبرتهم بأني وافقت على التعيين.
> ماذا كان ردهم؟
- قالوا لي: "كويس"، وأضافوا بالنص: "كانوا يريدون منك رفض التعيين" (يقصدون مخابرات صلاح نصر).
> قبل تعيينك مديرا لأمن ذمار كانت هناك وثيقة موجهة لوزارة الداخلية في صنعاء من مدير أمن لواء تعز المقدم محمد المطري بتاريخ 2/ 7/ 66 حدد فيها مهام المسؤولين في جهاز الأمن، وأنت من ضمنهم، ويتضح من خلالها أن المهام التي أسندت إليك كانت هامة وحساسة جدا، منها على سبيل المثال: متابعة الجواسيس، والإشراف على المخبرين، ومراقبة الأماكن التي يصدر عنها نشاط سياسي... من هو المستهدف من وراء تلك المهام؟
- المستهدفون هم أعداء النظام الجمهوري، وعملاء الموساد الذين زرعتهم إسرائيل عند قيام ثورة 26 سبتمبر 62، وكان يشرف عليهم ويحميهم بعض ضباط جهاز مخابرات صلاح نصر.
 > نعود إلى تعيينك مديرا لأمن ذمار، كيف استقبلت قرار التعيين؟
- استقبلت القرار بسعادة بالغة، لأني كنت أرى في ذلك فرصة لخدمة وطني، بدلا من البقاء دون مهام عملية.
> ألم ينطوِ القرار على ثقة كبيرة منحتك إياها قيادة وزارة الداخلية؟
- وزارة الداخلية لا علاقة لها بالتعيين، فالتعيين صدر من قبل مخابرات صلاح نصر، وكانوا يعتقدون أني سأرفضه، وبعد أن باشرت عملي في ذمار تم تكليف شخص باغتيالي.
> بعد تعيينك مباشرة؟
- بعد تعييني بأيام كلف أحد مشايخ ذمار باستفزازي، وقد وجهت رسالة إلى رئيس الوزراء الفريق حسن العمري بتاريخ 8/ 8/ 66، وأرسلتها إلى الرائد عبدالله الحمدي في إدارة المباحث العامة، وتلقيت منه ردا على رسالتي بتاريخ 9/ 8/ 66 أشار فيها إلى أنه رفع رسالتي إلى رئيس الوزراء وأن رئيس الوزراء بالنيابة عبدالسلام صبرة طلب من وزير الداخلية، العميد حسين الدفعي حينها، بتعجيل طلب ذلك الشيخ ومنعه من التدخل، إذ لا يحق له معارضة الحكومة.
> ما نوع هذه الاستفزازات؟
- التدخل في مهام الأمن.
> وبالنسبة لعملية الاغتيال كيف علمت بها؟
- علمت بها في حينها. وفي عام 1972 أخبرني علي احمد السلامي، عضو مجلس الشورى حاليا، أنه جرت محاولة لاغتيالي عندما كنت في ذمار. فلقت له: لماذا لم تخبرني بذلك في حينه؟ فقال: أنا أعرف أنك تحتاط لنفسك.
بعدما فشلت محاولة الاغتيال كما يبدو تم وضع اسمي ضمن قائمة بأكثر من 2000 شخص من الشخصيات المدنية والعسكرية من أبناء الشمال لاعتقالهم، منهم عبدالرحمن محمد سعيد، أحد قادة حركة القوميين العرب في شمال الوطن، والرائد سلطان أمين القرشي، نائب مدير المخابرات بلواء تعز، والملازم في أمن تعز سلطان الشيباني. وكانت القائمة موقعة من قبل مدير الأمن العام العقيد عبدالقادر الخطري، الذي أعرفه جيدا.
> من كان خلف قرار الاعتقال؟
- مخابرات صلاح نصر، لأن الذين شملهم القرار كانوا يعارضون ممارساتها وأساليبها الخاطئة.
> حتى سلطان القرشي؟
- سلطان القرشي كان له دور وطني كبير في خدمة وطنه، وكان من العناصر الرافضة للممارسات السلبية التي كانت تقوم بها مخابرات صلاح نصر تجاه الثورة في الجنوب وتصرفاتها في الشمال.
> هل تم اعتقالكم؟
- تم اعتقال عدد كبير من المطلوبين. فسلطان القرشي مثلا تم اعتقاله، وكذا سلطان الشيباني، وعبدالرحمن محمد سعيد... وتم الإفراج عنهم في فترة لاحقة.
> هل كان سلطان القرشي بعثيا؟
- لم أساله عن انتمائه، وهو لم يسألني إن كنت في حركة القوميين العرب أم لا.
> هل تعرف شيئا عن تفاصيل نهايته؟
- لا، لم أعرف، وكنت حينها في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
> عندما وضع اسمك ضمن قائمة الاعتقال كنت حينها في ذمار، من أخبرك بذلك؟
- في 26/ 9/ 66 احتفلنا في ذمار بعيد الثورة، وفي 28/ 9/ 66 وصلتُ إلى تعز قادما من ذمار في طريقي إلى الصبيحة، وهناك التقيت عيسى محمد سيف في دكان محمود عبدالعزيز القباطي، وجلسنا نتناقش، ووجدته قد تغير، وأحسست أن هناك شيئا ما يريد أن يقوله لي، ربما كان يعرف أن مخابرات صلاح نصر قد وضعت اسمي ضمن قائمة المطلوب اعتقالهم، وأنا لم أكن أعرف عن ذلك شيئا، المهم شعرت أن هناك شيئا ما سيحدث، فقطعت النقاش وغادرت تعز إلى جبهة الصبيحة وفي تاريخ 5 أكتوبر 66 غادرت الصبيحة إلى تعز، وعندما قابلت محمد سعيد مصعبين قال لي: "لماذا عدت إلى تعز وأنا أرسلت لك برقية إلى المفاليس (منطقة كانت حدودية تتبع محافظة تعز) بأنك ضمن قائمة المطلوب اعتقالهم؟"، فرددت عليه بأني لم أستلم البرقية.
وبعدها توجهت إلى إدارة أمن لواء تعز، وعندما قابلت بعض الضباط أخبروني بالأمر فغادرت تعز إلى مقر عملي في ذمار، وعندما وصلت إليها أخبروني أن هناك أمرا باعتقالي، وأن مجموعة من الأشخاص جاءوا لهذا الغرض، فتوجهت إلى صنعاء وقابلت هناك عبدالحافظ قائد، أحد قادة فرع حركة القوميين العرب في الشمال، فقال لي: "دبر أمرك وغادر صنعاء! يكفينا أن عبدالرحمن محمد سعيد معتقل في السجن". وفي صباح يوم 7 أكتوبر 66 غادرت صنعاء عائدا إلى جبهة الصبيحة.
> هل عدت بعدها إلى ذمار؟
لا، لم أعد.
> قلت إنك قابلت عيسى محمد سيف، هل كانت تلك المرة الأولى التي تعرفت فيها عليه؟
لا. كنت أعرفه من سابق، وكان طالبا في الثانوية بتعز، وكنت ألتقيه دائما ونناقش ما يجري في الوطن.
> هل كان يتفق معكم؟
- كنا نخدم بعضنا البعض، فقد كنت في الجبهة القومية وكان هو ناصريا.
> أقصد موقفه من الثورة في الجنوب والجبهة القومية؟
- موقفه كان إيجابيا كغيره من الوطنيين.
 > هل كنت تعلم بانتمائه حينها؟
- نعم. وكان أيضا مسؤولا عن الناصرين في تعز.
> هل كان فعلا عيسى يعلم بأمر اعتقالك؟
- لا أستطيع نفي أو تأكيد ذلك. لكني أحسست من خلال كلامه أن هناك أمرا ما يريد أن يقوله لكنه لم يقل.
> ماذا قال لك بالضبط؟
- تناقشنا حول المخابرات المصرية ودورها وسلوكها في اليمن شماله وجنوبه. كنت أحاول أن أقنعه بأن هناك ممارسات يمارسها البعض تسيء لعبدالناصر وللثورة. وكان هو يحاول أن يبرر ذلك، وكان يقول: "لولا القوات المصرية لما كانت الثورة. وعند هذه النقطة بالتحديد كنت أتفق معه.
> متى رأيته آخر مرة؟
- في 28/ 9/ 66 بتعز، وكانت تلك آخر مرة، وبعدها سافر هو للدراسة في القاهرة، ولم أزر أنا تعز إلا في 89.
> هل فاجأك وصوله إلى قيادة التنظيم (أمين عام التنظيم الناصري) ويقود شخصيا محاولة انقلابية؟
- تفاجأت طبعا؛ لأنه كان شابا بسيطا.
> هل تابعت محاكمته لاحقا؟
- لا.
> طيب، كيف تصف لنا الوضع في ذمار حينها؟
- كانت منطقة ساخنة. فالمواطنون كانوا مثلا في الصباح جمهوريين وفي المساء ملكيين.
> هل حدثت صدامات بينكم وبين الملكيين؟
- مدير الأمن الذي سبقني لفقوا له تهمة حيث دخل إلى بيته مجموعة أشخاص ووضعوا فيه "تنكـ" خمر، ثم خرج المواطنون إلى الشارع نهتفون بأن مدير الامن يبيع الخمر، مما اضطره لترك المدينة والتوجه إلى صنعاء. والذي سبقه قيده الجنود وذهبوا به إلى الملكيين، ولولم يكن هناك عدد من أقاربه مع الملكيين لكانوا قتلوه.
> الجنود قاموا بذلك؟
- نعم. أغلب الجنود في إدارة الأمن كانوا ملكيين، واستمر ذلك الأمر أثناء وجودي.
> كيف تعاملت معهم؟
- بروح طيبة، وحذر كبير. ولما اتضح أن هناك محاولة لاغتيالي اخترت 8 من الجنود الجمهوريين للتمركز في مقابل 30 شخصا كانوا يتمركزون في عمارة مقابلة لإدارة الأمن، ووجهوا لي تهديدا بالتصفية إن لم أغادر.
> من يتبع هؤلاء ال30 شخصا؟
- يتبعون الملكيين طبعا ومن كان يؤيدهم ويدعمهم.
> من كنت تعرف في ذمار؟ وكيف كانت علاقتك بالمسؤولين هناك؟
- تعرفت على الشيخ محمد الصبري محافظ ذمار، والرائد يحيى الكهالي قائد منطقة ذمار، والشيخ عبدالرحمن ذمران عامل ذمار... وكانت علاقاتي بهم جيدة.
> وعبدالله الحمدي...؟
- هو كان مدير إدارة المباحث العامة. وعلاقتنا كانت قد بدأت منذ أن التحقنا بالدراسة في كلية الشرطة بالجمهورية العربية المتحدة، وكانت تلك العلاقة قوية، ورفضنا معا الانصياع لمخابرات صلاح نصر التي كانت تتعامل معنا وكأننا لسنا من أبناء الوطن.
> وإبراهيم الحمدي...؟
- لم أتعرف عليه.
> وفي تعز من كنت تعرف؟
- كنت أعرف نائب رئيس الجمهورية محمد علي عثمان، ومدير ألأمن العام عبدالقادر الخطري، ومدير أمن لواء تعز محمد المطري، والرائد سلطان أمين القرشي نائب مدير المخابرات، والرائد حسين العمري مدير المباحث العامة، والرائد عبدالواحد السياغي مدير المباحث الجنائية، ومهيوب عبدالله مدير المخابرات... وقد تعرفت أيضا على الأستاذ احمد محمد نعمان نهاية 64 حينما زرته رفقة فيصل عبداللطيف الشعبي.
> هل كانت زيارة عادية أم أنها حملت هدفا محددا؟
- زرناه لإشعاره بأن الجبهة القومية تقف إلى جانبهم في مقاومة القهر الذي كانت مخابرات صلاح نصر وأعوانها تصبه على الجميع.
> هل كنت تعرفه من سابق؟
- لا. فيصل كان يعرفه من أيام القاهرة.
> أين التقيتموه؟
- في منزله بتعز، ومكثنا عنده قرابة ساعة.
> كيف وجدتموه؟
- وجدناه متأزما، وفي تلك الفترة تحديدا تم اتهامه بالطائفية وكانت بعض القوى قد بدأت تشتغل على موضوع الطائفية، زيدي شافعي.
> هل دار بينكم حديث؟ وحول ماذا بالضبط؟
- في يوم 23 أغسطس 64 حوصر محافظ تعز الشيخ أمين عبدالواسع نعمان من قبل مجموعة من الضباط، وكاد ذلك أن يؤدي إلى صدام مسلح لولا تدخل القوات العربية، وكان الهدف من ذلك تقسيم شمال اليمن الجمهوري إلى زيدي وشافعي، ولكي يسهل فتح جبهات قتال في جنوب جنوب اليمن، كتلك الجبهات التي تم فتحها في شمال شمال اليمن والتي وصلت إلى أكثر من أربعين جبهة. الأستاذ النعمان كان يعمل جاهدا على ألاَّ ينقسم الشعب إلى زيدي وشافعي، فعمل على الاتصال بجميع مشايخ اليمن، زيوداً وشوافع، وبعدها أنزلوا البيان رقم (1) بتاريخ 10/ 10/ 64 بسم "الجبهة القومية لحماية الوحدة الوطنية في اليمن"، ومن الذين وقعوا على البيان: الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ عبدالقوي الحميقاني والشيخ صالح ناجي الرويشان والشيخ عبدالسلام صبرة والشيخ أحمد علي المطري والشيخ ناجي محمد دماج والسيد محمد الاهنومي والشيخ منصور عبدالعزيز والشيخ علي ناصر العنسي والأستاذ احمد محمد النعمان والسيد محمد علي عثمان والشيخ إبراهيم حاميم والسيد عبدالغني مطهر والسيد محمد الاسودي والسيد محمد قايد سيف والسيد علي محمد سعيد... ووضعوا في البيان رؤيتهم لمعالجة الوضع المتأزم في اليمن. وفي تاريخ 2/ 12/ 64 قدم الأستاذ النعمان رسالة إلى رئيس الجمهورية عبدالله السلال، اختتمها بقوله: "نعم بات من المحتم علينا عملا بالصدق مع الله والشعب ومع أنفسنا وإخواننا وزملائنا في العمل والمسؤولية، أن نقدم استقالتنا إلى سيادتكم راجيين قبولها".
وقد جاءت زيارتنا، أنا وفيصل عبداللطيف، للنعمان تعبيرا عن موقف الجبهة القومية المؤيد للجمهورية العربية اليمنية، ودار بيننا حديث حول هذا الموضوع بالذات، وتعهدنا له بأن الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ستقف بكل إمكاناتها لقطع الطريق أمام من يخططون لفتح جبهات قتال في جنوب اليمن المحتل ولإضرام النيران بين الإخوة اليمنيين وبذر الفتنة الطائفية، وقد أوفت الجبهة القومية بوعدها ومسؤولياتها، وساهمت بفاعلية في حماية ثورة 26 سبتمبر.
> بماذا رد عليكم النعمان؟
- أشاد بموقف الجبهة القومية وحرصها.
> هل تكون لديك انطباع عن النعمان من خلال اللقاء؟
- نعم، كان رجلا وطنيا ومعتزا بنفسه.