وصاب.. قرون من الحرمان والمعاناة!!

وصاب.. قرون من الحرمان والمعاناة!!

أبناء وصاب لرئيس الجمهورية: نحن مواطنون صالحون لم نقطع طريقاً، أو نخطف أجنبياً، أو نمنع واجباً.. فأنظر إلينا..

- ياسر محمد العرامي
وصاب.. منطقة تتكون من سلسلة جبلية شديدة الانحدار وبالغة الصعوبة يحدها شمالاً مديرية عتمة وجنوباً مديرية حزم العدين التابعة لمحافظة إب، كما يحدها شرقاً مديرية القفر وغرباً مديرية زبيد (محافظة الحديدة) وتنقسم وصاب إلى مديريتين هما وصاب العالي ووصاب السافل.. يبلغ عدد سكانها (320.000) نسمة – بحسب التعداد السكاني الأخير – تتبع إدارياً محافظة ذمار وبذلك يمثل عدد سكانها نسبة 27 % من إجمالي سكان المحافظة.
المنطقة مازالت تعيش وضعاً مأساوياً من الحرمان والمعاناة ولم تصلهم بعد خيرات الثورة المزعومة ولا ترى للمنجزات العملاقة فيها أي وجود ورغم ذلك فأبناء وصاب كانوا في مقدمة المناشدين لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح بالتراجع عن قراره عدم ترشيح نفسه.
أمراض وأوبئة فتاكة وتهريب اطفال والمرأة تعاني مشاكل عديدة.. الصحة شبه منعدمة.. والطرقات وعرة جداً وذات منحدرات يصعب المشي عليها راجلين فكيف بوسائل المواصلات.. والمنطقة خالية تماماً من مشاريع المياه باستثناء آبار يدوية حفرها الأجداد وبرك صغيرة (ملوثة) لا تصلح للإستخدام الآدمي.. وتعليم يدرس أبناءها في العراء وسط حرارة الشمس ولسعاتها اللافحة.. هذه هي وصاب في عهد التنمية التي تصم بها أذاننا الحكومة صبح مساء.. هذه هي وصاب تعيش في الرمق الأخير بعيداً عن أبسط حقوق المواطنة المتساوية ومحرومة تماماً من كل متطلبات الحياة الضرورية.. تدق ناقوس الخطر وتنذر بحلول كارثة إنسانية.. وكأنها جزء من الصومال.. وليست في بلاد اليمن حيث الثروات النفطية والسمكية وثروات أخرى تمتلكها البلد لا حصر لها.
إن لم تتدارك الحكومة الوضع وتعمل بجدية لإنقاذ حياة المواطنين هناك حيث تنتشر أمراض الكبد البائي وأمراض الكلى بسبب المياه الملوثة.. فإن الوضع قد يتطلب الإعلان عن حاجة وصاب لإغاثة عاجلة من الدول والمنظمات الإغاثية المختلفة.

رئيس الجمهورية: أنظر إلينا بعين الرحمة والعطف
بعد معاناة أستمرت طويلاً لجأ أبناء وصاب إلى مناشدة الرئيس شخصياً للنظر في مأساتهم ومعاناتهم بعد أن أنقطع بهم الأمل عن المتابعة وراء المشاريع في المحافظة.
بعث أبناء وصاب، أكاديميين وأعضاء مجالس محلية وتربويين وصحفيين وتجار ومواطنين رسالة عاجلة لفخامة رئيس الجمهورية ممهورة بتوقيعاتهم يطالبونه فيها النظر إلى حالهم بعين الرحمة والعطف والعمل الجاد على حل معاناتهم المتجذرة منذ القدم دون أن تلقى حلاً... آملين أن مناشدتهم هذه لن تذهب سدى، مؤكدين أنهم في وصاب مجموعة مواطنين صالحين لم يقطعوا يوما طريقاً، أو يخطفوا أجنبياً، أو يمنعوا واجباً زكوياً أو ضريبياً طلب منهم، ثاراتهم قليلة، بل نادرة وقضاياهم تحل بالمحاكم والأطر الرسمية، يحبون السلم وينشدون الأمن والأمان –حسب ما جاء في رسالتهم– فلماذا هذا التهميش والحرمان من الحياة الكريمة وجعل التخلف من نصيبهم.
فقر يزرع عمالة وتهريب للأطفال 
.. اطفال يهربون إلى الخارج
كغيرها من المناطق اليمنية تعاني وصاب من آفة الفقر إلا أنها تكاد تكون أشد فقراً من مناطق أخرى نتيجة لعزلة المنطقة وصعوبة الطرقات فيها التي جعلت منها؛ جزيرة محصورة وهو الأمر الذي انعكس سلباً على أداء أي نشاط تجاري أو استثماري فعلي فيها فتحول الناس هناك قسراً إلى عاطلين عن العمل، خصوصاً بعد أن حل الجفاف على المنطقة بسبب شحة الأمطار في الآونة الأخيرة والتي أدت إلى جفاف الآبار والعيون لتنتهي على إثرها المزروعات فضلاً عن نفوق الثروة الحيوانية والتي كانت تمثل مصدر دخل رئيسي لدى المواطنين.
ونتيجة لما آل إليه الوضع هناك لجأ الأطفال إلى العمل وأكدت مصادر محلية أن العديد من الأطفال تأخذهم عصابات التهريب تحت إغراءات ووعود بالحصول على العمل والمال في دول الجوار، إلا أن أولئك الأطفال يلاقون صنوفاً من العذاب والظلم والإذلال ولممارسات غير أخلاقية، وهناك الكثير منهم يعودون إلى قراهم بجملة من الأمراض المعدية بدلاً من أن يعودوا بالمال الذي كانوا يحلمون به، كما أن معظم عمالة الأطفال المنتشرة في مناطق مختلفة من محافظات الجمهورية ينحدرون من هذه المنطقة كباعة متجولين على جوانب الطرقات وفي الجولات أو العمل في غسل السيارات وبعض الورش إضافة إلى العمل في المطاعم والمقاهي وهو الأمر الذي يعرض هؤلاء للضرب والشتم والإهانة والإبتزاز بصورة يومية فضلاً عن تعرضهم للتحرش الجنسي نتيجة لطبيعة عملهم وسكنهم مع أشخاص أكبر منهم سناً.
 
المرأة أكثر عملاً وحرصاً 
 تبلغ نسبة النساء العاملات في منطقة وصاب (98 %)، حسب دراسة إحصائية أجرتها مجموعة من الباحثين من أبناء المنطقة
وأشارت الدراسة إلى أن هناك مجموعة من الأعمال الصعبة والشاقة تقوم بها المرأة كجلب المياة والحطب من المناطق البعيدة يومياً والقيام باستصلاح الأراضي الزراعية وتأهيلها فضلاً عن قيامهن بمهام الرجل في متابعة كثير من الشئون الحياتية اليومية كون معظم الرجال يقضون أيامهم خارج المنطقة بحثاً عن العمل وذلك أدى إلى إصابة الكثير من النساء في وصاب بحالات نفسية وإكتئاب مستمر.
وأثبتت الدراسة إلى أن المرأة في وصاب تعاني من الإفتقار إلى أي نوع من أنواع التعليم وعدم وجود أي رعاية طبية مما يؤدي إلى وفاة الكثير من الحوامل، وبسبب سوء التغذية وانعدام الوجبة الغذائية المتزنة أثبتت الدراسة أن نسبة كبيرة من النساء تصل إلى 90 % تصاب بأمراض عديدة مثل فقر الدم والنزيف الحاد وأمراض الملاريا وضغط الدم والحالات النفسية الصعبة والديدان الشائعة.
 
طرق وعرة وجفاف مياه وتعليم في العراء
يقال إن الطريق هي شريان الحياة وإن أساس التنمية تكمن في وجود شبكة طرقات حديثة تسهل حركة الناس لكن هذا القول يبدو غير موجود في منطقة وصاب فمعظم قرى وعزل المنطقة – البالغ مساحتها(1500 كم 2) - مازالت بدون طرقات حتى اليوم وتعيش عزلة حقيقية بينما الكثير من الطرق التي شقت إلى بعض القرى عبارة عن طرق ترابية وعرة جداً وبذلك فإن حركة السير تتوقف تماماً لعدة أيام إذا ما هطلت الأمطار حيث تتحول الوديان إلى مستنقعات والجبال إلى جزر معزولة ويجب على المواطنين إصلاح الطرق عقب كل نزول مطر مهما كانت قلته، كل ذلك يعد هيناً قياساً بإسعاف مريض ما سيتطلب زمناً يتراوح بين 8 – 12 ساعة للوصول إلى المدن ويفقد الكثير من المرضى حياتهم في الطريق فضلاً عن الذين يستسلمون للمرض حتى الموت بسبب عدم إمتلاكهم لإجور نقلهم من قراهم المتباعدة الأطراف إلى المدن.
وتؤثر وعورة الطرق أيضا وطول مسافاتها على إرتفاع أسعار السلع والمنتجات المختلفة مقارنة بالمدن حيث تترواح نسبة الزيادة من 30 – 50 % في المتوسط على سبيل المثال فإن ثمن أسطوانة الغاز يصل إلى 800 ريال.
أما المياه في وصاب فلها حكاية أخرى فقد فقدت عشرات الفتيات أرواحهن غرقاً في الآبار بسبب البحث عن الماء والتدافع الشديد للأهالي هناك حول فوهات الآبار مما يؤدي إلى السقوط والموت غرقاً. وكل ذلك يعود لعدم وجود أي مشروع مياه في المنطقة يغذي المنازل بالماء بإستثناء مياه الآبار التي حفرها الأجداد وخلال الآونة الأخيرة جفت الآبار وصار الماء شبه منعدماً مما دفع بآلاف الأسر إلى النزوح الجماعي إلى المدن لتعيش على أطراف تلك المدن كالحديدة وصنعاء وذمار وإب وتعز وفي ظروف معيشية بائسة جداً تشبه إلى حد ما ظروف المهمشين.
وهو الحال كذلك بالنسبة لوضع التعليم والكهرباء في وصاب فالمدارس قديمة جداً ومتهالكة وعلى وشك الإنهيار بينما الكثير من الطلاب يدرسون في العراء وتحت الأشجار وفي العشش وأغلقت العديد من المدارس بسبب عدم وجود الكادر والمبنى المدرسي.
أما الكهرباء فإن 15000 نسمة من إجمالي 320000 نسمة هم من يستفيدون من مشروعين صغيرين للكهرباء يعملان على مولدين صغيرين أيضاً ومع ذلك فإنهما يعملان بمعدل خمس إلى ست ساعات يومياً فقط.
 هذا هو حال ثلاثمائة وعشرين ألف مواطن يمني حاولنا تلمس همومهم وقضاياهم وقد يكون أنموذجاً لحال عشرين مليون مواطن يعيشون بلا هوية ولا وطن في زمن أختصر فيه العابثون كل مقدراته وحولوه إلى إقطاعية كبيرة تدر عليهم خيراته بينما المواطن البسيط يموت جوعاً وينام في العراء بعد أن سلبت منه كل حقوق المواطنة.