لهذه الأسباب تكون "الرهينة" أهم الروايات

لهذه الأسباب تكون "الرهينة" أهم الروايات

همدان دماج: كان والدي يؤمن أن مهمته الأساسية هي الكتابة
 استدعى خبر في أوساط ثقافية خاصة يقول إن مترجمة لبنانية "ندى غصن" تستعد لترجمة رواية "الرهينة"، إعادة التفكير في سبب يجعل الرواية تأخذ كل هذا الاهتمام، فالرواية التي كتبها الروائي زيد مطيع دماج وصدرت عام 1948، عن دار الآداب في بيروت، ط2 - 1988 عن دار الشؤون الثقافية –بغداد، ط3 - 1997 عن دار رياض الريس –بيروت، ط4 - 1999 -مهرجان القراءة للجميع –القاهرة، ترجمت إلى الفرنسية عام 1991، عن دار EDIFRA، وترجمت إلى الإنجليزية عام 1994، عن دار INTERLINK BOOK، وترجمت إلى الألمانية عام 1999، وترجمت إلى الروسية واليابانية والإسبانية (1988 - 2003)، وترجمت إلى الهندية عام 2006، وترجمت إلى الصربية عام 2007، واختيرت ضمن مشروع اليونسكو "كتاب في جريدة" عام 1998، وفي أوائل 2000 اختيرت من قبل اتحاد الكتاب المصريين واحدة من أفضل 100 رواية عربية في القرن ال20. وهي الآن في طريقها للترجمة إلى الفرنسية مرة أخرى.
يعرف الوسط الثقافي العربي الرواية في اليمن من خلال "الرهينة"، هذه أسباب سياقية تجعل من "الرهينة" أهم رواية في اليمن، وأهم أعمال زيد مطيع دماج في الوقت ذاته رغم صدور أعمال أخرى له: "طاهش الحوبان" –مجموعة قصصية صدرت عام 1973، "العقربـ" –مجموعة قصصية صدرت عام 1982، "الجسر" –مجموعة قصصية صدرت عام 1986، "أحزان البنت مياسة" –مجموعة قصصية صدرت عام 1990، "الانبهار والدهشة" –كتاب سردي من الذاكرة صدر عام 2000، "المدفع الأصفر" –مجموعة قصصية صدرت عام 2001. ولم تكن "الرهينة" عمله الروائي الأكثر شهرة سوى العمل الأول لمشروع ثلاثية (الرهينة، المدرسة الأحمدية (ابن الدستوري)، والهروب الكبير)، لكن العمل الثاني كان ينوي أن يؤرخ روائيا لفترة تالية، حيث تدور أحداث الرواية خلال فترة الخمسينيات من القرن المنصرم، وتحديداً فترة ما بعد ثورة 1948 وقبيل ثورة 1963. الرواية التي لم تنشر حتى الآن تحتوي على 5 فصول، ولا يزال الفصل الأخير منها مفقوداً. كما أننا لا نعرف مصير الجزء الثالث.
هناك أسباب أخرى في شهرة الرهينة ليس لها علاقة بكل ما قيل أو نشر، فطالما اشتهرت روايات حتى دون أن يوافق كتابها على ذلك، في روايته الأكثر شهرة "قنديل أم هاشم" يقول الروائي المصري يحيى حقي "إن اسمي لا يذكر إلا ويذكر معه "قنديل أم هاشم" كأني لم أكتب غيرها، وكنت أضيق بذلك، ولكن كثيرين حدثوني عنها واعترفوا بتأثيرها في نفوسهم، منهم أديب يمني قال لقد أحسست أنك تصفني حين أعود من القاهرة إلى اليمن. وحين أحاول البحث عن سبب قوة تأثير "قنديل أم هاشم" لا أجد ما أقوله سوى أنها خرجت من قلبي كالرصاصة، وربما لهذا السبب استقرت في قلوب القراء بنفس الطريقة.
لن نستطيع أن نعرف شيئاً يشبه ما كتبه يحيى حقي عن روايته، فزيد مطيع دماج الذي فارق الحياة عام 2000، لم يكتب عن أعماله بما فيها روايته "الرهينة"، لكن ابنه الدكتور همدان زيد مطيع دماج يمكن أن يجيب على أسئلة كهذه. يعمل همدان رئيسا لتحرير مجلة "غيمان" الثقافية التي تصدر عن المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، وهو باحث زائر في معهد أبحاث الكومبيوتر، جامعة لندن ساوث بانك البريطانية.
* هل كان والدك يتوقع هذا النجاح؟

* محمد الشلفي
- أحدث صدور الرواية عام 1984 نجاحاً كبيراً في اليمن، لقد كان بمثابة نجاح للرواية اليمنية طال انتظاره، واستمراراً لنجاح كاتبها الذي كان قد أصدر مجموعتين قصصيتين "طاهش الحوبان" و"العقربـ". ولازلت أتذكر صدى ذلك النجاح رغم صغر سني في ذلك الوقت، وعدم إدراكي للمشهد الثقافي في اليمن. لقد كان الجميع يتحدثون عن الرواية بدءاً من مدرس اللغة العربية وانتهاءً بالأقارب وأصدقاء الوالد. لا أتذكر أنني قرأتها في ذلك الحين، لكنني كنت أعيش في بيئة تأثرت كثيراً بنجاح الرواية. لم أكن أعرف في ذلك الوقت –ربما مثل كثيرين- أن ذلك النجاح ما هو إلا بداية لشهرة عربية، ثم عالمية، ستحرزها الرواية خلال السنوات القادمة، وحتى الآن.
لم يكن هذا النجاح "مدهشاً" بالنسبة لوالدي، لكنه بالتأكيد كان سعيداً به. فعندما كتب "الرهينة"، كان يدرك ما ستمثله روايته من نقلة نوعية في مسيرته الأدبية كروائي، خاصة وأن أعماله القصصية آنذاك كانت قد أحرزت له شهرة واسعة في اليمن وفي الوطن العربي، واضعة اسمه بجانب أسماء أدباء كبار في اليمن، وخاصة صديقه الأديب اليمني الكبير المرحوم محمد عبدالولي.
والمعروف عن زيد مطيع دماج قلة حديثه عن أعماله الأدبية، وعدم انشغاله بالدراسات النقدية التي تناولت أعماله، ربما انعكاساً لشخصيته المتواضعة التي عُرف بها بين من عرفوه، والتي كانت محط اهتمام الكثير من الأدباء الذين كتبوا عنه وعن أعماله. أتذكر أنني في فترة لاحقة سألته عن ذلك، فكان رده أنه يؤمن بأن مهمته الأساسية هي الكتابة، تنتهي بإنجاز العمل وتبدأ بكتابة عمل آخر. فكان يرفض الدخول في الجدالات الأدبية والفكرية التي أحدثتها أعماله، مكتفياً بمتابعتها بشكل عابر، وتوثيقها قدر الإمكان.
* وهل نجاح العمل يثير دهشتك أيضا؟
- بالنسبة لي، ليس هناك ما يجعلني أندهش من نجاح وشهرة رواية كـ"الرهينة"، فثقافتي السردية المتواضعة كافية لتتيح لي استنتاج مبررات شهرة الرواية التي كلما أعدت قراءتها أكتشف في خبايا نصها الممتع شيئاً جديداً يضاعف من إعجابي الشديد بها. غير أنني أتفهم أيضاً ما ذهب إليه بعض النقاد من أن شهرة "الرهينة" قد أثرت سلباً على شهرة زيد مطيع دماج كقاص كتب أعمالاً قصصية قد لا تقل إبداعاً عن الرواية، وعادة ما يحدث مثل هذا لدى الأدباء الذين يكتبون أكثر من جنس أدبي، ويبدعون بها كلها. فعلى سبيل المثال، طغت شهرة أديب اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح الشعرية على شهرته كناقد أدبي، رغم ما لأعماله النقدية من مكانة مرموقة في عالم النقد.
* ماذا تتذكر عن الأيام التي كان يكتب فيها والدك الرواية، والظروف التي كتبت فيها؟
- كما أشرت سابقاً، كنت ما أزال في ال10 من عمري عندما كتب والدي "الرهينة"، لهذا لا أتذكر تفاصيل كتابتها، لكنني أتذكر طقوسه الكتابية في ذلك الوقت، والمتمثلة في إغلاق باب مكتبته في المنزل منذ السابعة والنصف مساءً، منعزلاً للكتابة، وأتذكر أننا لم نكن ندخل عليه إلا للضرورة. غير أنه حكى لي في فترة لاحقة أنه تفرغ لكتابة "الرهينة" خلال شهر رمضان من ذلك العام، فلم يكتب أي شيء آخر (مقالات أو مشاريع قصص) سوى الرواية. وأستطيع القول إن ذلك العام كان خلال الفترة التي قرر فيها زيد مطيع دماج التفرغ للأدب بعد مشوار غير قصير من النشاط السياسي والمناصب الحكومية التي تقلدها (منها محافظاً للمحويت)، مقتنعاً بمنصب صغير في وزارة الخارجية (مدير عام)، رافضاً تعيينات دبلوماسية في الخارج.
* هل كنت تعبر له عن رأي شخصي في أعماله بما فيها الرواية؟
- نعم، من الحين والآخر، فقد كنا نتحدث كثيراً في جل المواضيع، ومنها أعماله القصصية والرواية، خاصة في الفترات المتأخرة من حياته ومن سنوات مرضه الطويلة. وكان كالعادة مستمعاً جيداً، خاصة عندما يطلب رأيي في أعمالة الجديدة، لكنه نادراً ما كان يقوم بتغيير شيء قد كتبه واقتنع به.
* البعض يتحدث عن أنها قصة حقيقية، إلى أي مدى ذلك صحيح؟
- ظل الاعتقاد السائد، ولفترة طويلة، أن "الرهينة" كانت انعكاسا لتجربة ذاتية عاش تفاصيلها الكاتب، وأحسب أن ذلك مرجعه قوة الإقناع التي امتلكتها الرواية على لسان بطلها الرهينة، غير أن الحقيقة أن الوالد لم يكن في يوم من الأيام رهينة. وقد اضطر في أكثر من مقابلة صحفية لتوضيح ذلك. مبيناً أنه كان صغيراً جداً، وكيف أن العديد من أبناء عمومته (منهم ابن عمه الأستاذ أحمد قاسم دماج) أُخذوا رهائن بعد أن أمر الإمام جنوده وسواريه باحتلال منازل أسرته محاولة للضغط على والده المناضل الشيخ مطيع دماج الذي أعلن تمرده الرسمي على سياسة الإمام وهرب إلى عدن وكتب مقالاته اللاذعة ضد الظلم والتخلف. غير أن حياة الرهائن المأساوية لم تكن خافية على من عاشوا تلك الحقبة المخيفة من تاريخ اليمن، وكان وعي المؤلف بها جزءاً من معاشرته لتفاصيل تلك الحقبة، خاصة وأن العديد ممن أُخذوا رهائن ماتوا في السجون، لهذا كان هناك اختلاط (أعتقد أنه منطقي) بين الخيال والواقع، وأستطيع القول إنه كان خيالاً واقعياً -إن صح الوصف.
* كقارئ برأيك لماذا نجحت "الرهينة" الرواية أكثر من الأعمال الأخرى؟
- هناك روايات عظيمة كُتبت لتنجح، وأعتقد أن "الرهينة" واحدة من هذه الروايات، تقرأها مرات ومرات وتستمتع دائماً بقراءتها، فكل جملة أو فقرة من الرواية تحمل حدثاً شيقاً يشدك أكثر وأكثر لمتابعة قراءتها على الرغم من معرفتك بتفاصيل الأحداث، وقد يكون هذا أحد أسباب نجاح الرواية.
* هل أخذ زيد مطيع دماج حقه كأديب وأخذت أعماله حقها؟
- لا يستطيع أي ناقد أو قارئ أن يحكم في ما إذا كان زيد مطيع دماج قد أخذ حقه من الشهرة والاهتمام.. فالأديب اليمني عموماً لم يأخذ حقه مثل نظرائه في بقية الدول، خاصة وأن هناك نوعاً من التجهيل المتعمد الذي يمارس في حق الأجيال الجديدة لتغييب الرموز الثقافية والثورية والفكرية ومآثرهم. وهذا ما يلاحظ مثلاً في مناهج التدريس المتخلفة، سواء في المدارس أو الجامعات، فأدباء اليمن جميعاً مظلومون ويعانون من التهميش المستمر.